بقلم:احمد الظاهري
قرر عماد، وهو محب للمغامرات، أن يخوض تجربة جديدة بالخروج في نزهة بمفرده في الجبال. كان دائمًا ما يستمتع بالتواجد في الهواء الطلق، ولكن هذه كانت المرة الأولى التي يذهب فيها دون رفقة. انطلق في الصباح الباكر مستمتعًا بالطبيعة من حوله. الأشجار الكثيفة والشجيرات كانت تمنحه إحساسًا بالعزلة والهدوء. لم يكن يتوقع أي شيء غريب، فقط يوم عادي آخر في قلب الجبال. مع مرور الوقت ومع غروب الشمس، قرر العودة إلى سيارته، ولكن شيئًا ما لم يكن صحيحًا. الطريق التي سلكها في البداية لم تعد مألوفة، والأشجار التي كان يظن أنه مر بها بدت مختلفة.
بدأ الذعر يتسلل إلى قلبه. كان يعرف أن التوهان في الغابة ليلًا قد يكون خطيرًا، خصوصًا عندما لا يعرف التضاريس جيدًا. بحلول الليل، سيطرت الظلمة على المكان. كان لديه مصباح يدوي صغير، لكن بطاريته كانت على وشك النفاد. بدأت أصوات الغابة تثير توتره؛ أصوات الحيوانات والرياح بين الأشجار أصبحت تبدو مخيفة في هذا الظلام. حاول أن يهدئ نفسه، لكنه أدرك أنه بحاجة إلى مأوى. فالتجول في الظلام قد يؤدي به إلى السقوط أو مواجهة حيوان مفترس.
وبينما كان يبحث بيأس عن مكان للاحتماء، لمح عماد كوخًا قديمًا متهدمًا بين الأشجار. كان يبدو مهجورًا منذ سنوات طويلة. شعر ببعض التردد، لكن الحاجة إلى الأمان كانت أكبر من أي خوف. طرق الباب عدة مرات ولم يكن هناك أي رد. بدا المكان موحشًا ومظلمًا، لكنه لم يكن لديه خيار آخر. دخل الكوخ ووجده بسيطًا بالكاد يحتوي على سرير قديم في وسط الغرفة. الكوخ كان مظلمًا ولم يكن هناك أي إضاءة طبيعية، فقط بقايا ضوء القمر تتسلل عبر النوافذ.
بينما كان يحاول الاسترخاء على السرير، شعر بعدم الارتياح. على الجدران كانت هناك صور قديمة لأشخاص لا يعرفهم، لكن ما لفت انتباهه هو الابتسامات المرعبة التي ترتسم على وجوههم. كانت تلك الصور تملأ الغرفة، وكلها تركز عليه بنظراتها المخيفة. حاول إبعاد الفكرة عن ذهنه معتقدًا أن الإرهاق هو ما يدفعه للشعور بالخوف. أغلق عينيه وحاول أن ينام، لكن فجأة بدأ يسمع أصواتًا خفيفة. كان هناك شيء يتحرك بالخارج. حاول إقناع نفسه بأنها حيوانات ليلية، لكنه لم يستطع تجاهل الصوت المستمر الذي يقترب من النافذة.
قرر أن يتجاهل الأصوات ويحاول النوم على أمل أن يتمكن من المغادرة في الصباح. في الصباح، استيقظ عماد مبكرًا، وبمجرد أن فتح عينيه أصيب بصدمة شديدة. اللوحات التي كانت تملأ الجدران في الليلة السابقة اختفت تمامًا، لكنه لم يستطع تصديق ما رآه بعد ذلك. لم تكن تلك لوحات في الأساس، كانت نوافذ، وكل الوجوه التي كانت تحدق فيه لم تكن صورًا، بل كانت لأشخاص واقفين في الخارج يراقبونه طوال الليل!
جمع أغراضه بسرعة واندفع خارج الكوخ راغبًا في الابتعاد عن المكان بأي وسيلة ممكنة. عندما عاد إلى الطريق، وجد نفسه في النهاية يخرج من الغابة ويصل إلى سيارته. جلس داخلها ليلتقط أنفاسه ثم انطلق عائدًا إلى بيته. مع مرور الأيام، حاول عماد نسيان ما حدث في تلك الليلة، لكنه لم يستطع الهروب من كوابيسه. في كل مرة يغفو فيها، كانت الوجوه نفسها تعود إليه تبتسم بنفس الابتسامة المخيفة وتحدق فيه بصمت مرعب.
شعر أن تلك الوجوه ليست مجرد كوابيس بل شيء أعمق وأقرب، وكأنها تلاحقه في كل زاوية من حياته. مهما حاول، لم يستطع التخلص من تلك الكوابيس. عاش عماد حياته تحت وطأة تلك الكوابيس المستمرة. لقد ترك الكوخ وراءه، لكنه لم يتمكن أبدًا من الهروب من الظل الذي خلفه في تلك الغابة، ظلال الوجوه التي لن تتوقف عن مطاردته.