بقلم:ابراهيم اسمان
قبل حوالي سنتين، انتقلت إلى بيت جديد في أستراليا. كنت من أوائل الناس الذين أنهوا بناء بيوتهم في هذه المنطقة، وكان هاجسي الوحيد وتفكيري الوحيد أنني أخيرًا سأستقل ببيت لوحدي. الأسابيع الأولى التي سكنت فيها في هذا البيت في هذه المنطقة التي ما زالت جديدة وقليلة البيوت، كانت أسابيع عادية. غالبًا كنت أمشي أنا وكلبي ونتجول في المنطقة فترة ما بعد الظهر، وكنت أتجول بالممتلكات والأراضي المحيطة من حولي. الطرق التي كانت حولنا تم الانتهاء منها تقريبًا، وتم تعبيدها وإنهاؤها، وكل الأراضي تم وضع علامات عليها تدل على ملاكها. لم يكن هناك أي بيت بها، فقط بيتي وبيت واحد مقابل.
البيت بنيانه كامل، ولكنه لم يكن يحتوي على طريق خاص بالسيارة، وهذا يعني أنه لا أحد يسكن فيه. وعلى يسار بيتي، على بعد مئات الأمتار، كان هناك حقل زراعي وبيتا عالية، كذلك بيتي يبعد عن هذه المنطقة التي أنا ساكن فيها ببعض الكيلومترات. كان هذا البيت عبارة عن بيت ريفي أو زراعي وكان قديمًا ومتهالكًا. هذا البيت أثار فضولي، فكنت أمشي أنا وكلبي لنستكشف ونرى ما هو هذا البيت، لأنني كنت أعتقد أن هذا البيت به شيء مثير للاهتمام لأنه بيت منعزل في منطقة مفتوحة.
المهم، بعد حوالي شهر أو اثنين من الانتقال لهذه المنطقة، استيقظت صباح أحد الأيام على صوت عزف كمان. وبصراحة، كنت مستمتعًا به وكنت أعتقد أن هذا العزف يصدر من جيراني الذين يسكنون في البيت المقابل لبيتي، لأنني كنت أعتقد أنهم انتقلوا بأصحابهم وسكنوا فيه. هذا الشيء جعلني متحمسًا وفرحانًا لأنه أخيرًا سيكون لدي جيران للتحدث معهم. أخذت الستارة ونظرت من خلال الشباك، ورأيت البيت المقابل لي وكان فارغًا. فقمت من فراشي ولبست ملابسي، ولكن مع مرور الوقت، بينما كنت أقوم وأغسل وجهي وألبس ملابسي، صوت العزف بالكمان اختفى.
كان هذا الصوت هو الذي يوقظني من نومي، ثم يختفي. كنت أتجاهله، لكن وصلت لمرحلة تغلب فيها فضولي علي. في صباح أحد الأيام، أول ما سمعت العزف، ركضت مباشرة إلى الباب وفتحته. العزف كان يبدأ في ساعات الصباح الأولى، قبل شروق الشمس. المهم، عندما خرجت من الباب في ساعات الصباح الأولى، التي كانت مظلمة نوعًا ما، نظرت هنا وهناك حتى وصلت عيني إلى أعلى التل الذي كان على يسار بيتي. رأيت كيان شخص يعزف على الكمان على أعلى التل، وكان شكله غير واضح، لكن هذا الشخص الذي يعزف كان طويلًا وأثناء ما هو يعزف كان يرقص ويدور حول نفسه. أبعدت عيني عن هذا الشخص وذهبت لأخذ جريدة الصباح. في هذه العشر ثوانٍ التي أبعدت فيها عيني عنه لأخذ الجريدة، توقف عزف الكمان. وعندما رفعت عيني وبحثت عن الشخص على التل مرة أخرى، لاحظت أنه توقف عن العزف والرقص وكان واقفًا في مكانه. نظرنا لبعضنا البعض لمدة نصف دقيقة تقريبًا بدون أي حركة، حتى تملكني الخوف وتراجعت للخلف ودخلت بيتي. بعد هذا الصباح الذي رأيت فيه هذا الشخص، بدأت الأمور تحدث.
أثناء ما كنت أتجول أنا وكلبي في الصباح، رأيت آثار أقدام على ممتلكاتي، داخل محيط المنزل. هذه الآثار لم تكن مني ولم أرها سابقًا. افترضت أن الناس كانوا يمرون من هنا ويدوسون على هذه الأرض الخاصة بي. في اليوم التالي، لم أستيقظ على صوت عزف الكمان، لكني متأكد 100% أنني سمعت صوت خطوات شخص يمشي بجانب نافذة بيتي، لكن لم أستطع رؤيته أو معرفته. كذلك حدثت أشياء أخرى عندما ذهبت إلى العمل.
بدأت أتلقى مكالمات من أرقام غريبة، وأول ما أفتح الخط وأضع السماعة على أذني ينقطع الخط فورًا. توقفت عن المشي حول الريف القريب من منطقتنا، بسبب عازف الكمان المرعب الذي رأيته سابقًا. في إحدى الليالي، أطفأت التلفاز الذي في الصالة ودخلت غرفتي وتمددت على فراشي للنوم. بشكل مفاجئ، سمعت صوت عزف الكمان وكان صوتًا هادئًا جدًا. تجمدت في مكاني وتدفقت البرودة والقشعريرة في جسمي، لأن الوقت الذي سمعت فيه هذا العزف كان منتصف الليل وليس الوقت المعتاد الذي أسمع فيه صوت العزف في الصباح.
توجهت إلى النافذة الأمامية للبيت ونظرت إلى الخارج، ورأيت ضوءًا في البيت المقابل لي. كان واضحًا أن هذا الضوء ليس ضوءًا كهربائيًا، بل كان ضوء شمعة لأنه كان خافتًا جدًا. الموسيقى لم تكن تأتي من آلة كمان أو عازف، بل من جهاز موسيقى. بقيت واقفًا في مكاني وأراقب هذا البيت لمدة عشر دقائق، ولم أرَ أي حركة داخل هذا البيت. ابتعدت عن النافذة وكنت مرعوبًا بما فيه الكفاية. بعد مرور خمس دقائق…
كنت ألعب على الحاسوب وأستخدم سماعات الرأس. في إحدى الليالي، كنت ألعب وأستمتع بوقتي، فقررت الذهاب إلى المطبخ لأخذ شيء من الثلاجة. الصمت كان يعم المكان، والصوت الوحيد الذي يسمع هو الصوت الذي يصدر من سماعات الرأس التي كنت أرتديها. أخذت شيء من الثلاجة والتفتت إلى الوراء، ثم نظرت إلى غرفة المكتب الخاصة بي، ورأيت ضوءًا خافتًا يظهر من النافذة. لم أعرف مصدر هذا الضوء في ذلك الوقت من الليل، فذهبت باتجاه غرفة المكتب وتوجهت إلى النافذة. اقتربت كثيرًا من النافذة حتى التصق أنفي بالنافذة، واكتشفت أن هذه الأضواء التي رأيتها لم تكن أضواءً طبيعية، بل كانت عيونًا. كانت عيون موجودة فوق السياج تنظر إليّ، لم ترمش ولم تتحرك. كل ما استطعت فعله ببساطة هو البقاء أنظر إليها بينما عقلي لم يدرك بعد أن هناك شخصًا ينظر.
بطريقة مرعبة لا يمكن لعقل أن يتصورها، لم أستطع استيعاب ما حدث تمامًا، لكن جسدي انهار تلقائيًا ووقعت على الأرض مباشرة. أخفيت جسدي وابتعدت عن النافذة وأنا أسمع نبضات قلبي التي صارت مثل الطبل، بينما كان عقلي لا يزال يحاول حل هذا الخطر الذي أواجهه. هنا، بدأ الكمان بالعزف مجددًا، وسمعت صوت هذا الكمان اللعين والنغمات المسكونة والمرعبة. هذه المرة، كان الصوت يأتي من خارج النافذة. الأضواء ما زالت مطفأة، ولكني أريد إطفاء الشاشة حتى لا يتمكن من رؤيتي، لكن جسمي لم يكن مستعدًا لمساعدتي.
صوت عزف الكمان لم يكن مثل الصوت الذي أسمعه كل مرة، بل كان صوت عزف غريب. كلبي الذي كان في الحديقة سمع هذا الصوت وبدأ ينبح بأعلى صوته. توقف الكمان مباشرة، وأخيرًا، أصبح البيت هادئًا. الصوت الوحيد الذي كنت أسمعه هو الصوت الذي يصدر من سماعات الرأس التي كنت أرتديها. بقيت متجمدًا في مكاني على الأرض حتى سمعت صوت نباح كلبي مرة أخرى. سمعت صوت خطوات هذا الشخص وهو يمشي باتجاه الحديقة الخلفية، أي باتجاه كلبي. بمجرد ما سمعته يمشي باتجاه كلبي، فكرت فيه واستخطته. هنا، استجمعت نفسي قليلاً وتحركت بسرعة وقوة وذهبت إلى الباب الخلفي.
رأيت كلبي واقفًا في مكانه ينظر باتجاه الحديقة بدون حركة. فتحت الباب بهدوء وبطء. عادةً، عندما أفتح الباب، يعرف كلبي أنه مسموح له بالدخول فيدخل مباشرة، لكن هذه المرة، بقي كلبي واقفًا في مكانه ولم يتحرك. بدا وكأن كل شيء يقول لي “لا تخرج من البيت”. لكن لم أستطع ترك كلبي العزيز، فخرجت ووقفت خلفه ووضعت يدي تحت طوقه وحاولت سحبه إلى داخل البيت. كلبي من سلالة لابرادور ووزنه كان ثقيلًا نوعًا ما، فلم يكن يريد التحرك، وهذا يتطلب مني جهدًا كبيرًا لسحبه من مكانه. في هذه اللحظة الحرجة، كلبي لم يقبل التحرك.
حاولت سحبه بقوة من طوقه، وفجأة، بدأ ينبح بصوت لم أسمعه من قبل. كان نباحه غريبًا للغاية، وكأنه يقول “اللعنة عليك، ابتعد”. هذا صوت نباحه ارتفع توتري كان في أعلى مستوياته، وبقيت واقفًا أنا وكلبي بدون أي حركة. لا أتذكر كم بقينا واقفين دون أي حركة أو رد فعل. في نهاية المطاف، سمعت صوت خطوات خارج سياج البيت، خطوات تدل على أن هذا الشخص صار يبتعد. عندما اختفى صوت الخطوات، وكأن كلبي عاد إلى وعيه، رفع عينيه ونظر إلي، ثم عاد ودخل البيت. فلحقته مباشرة وأغلقت باب البيت، وأخذته وذهبت مباشرة إلى فراشي وغطيت نفسي أنا وهو. لم أغمض عيني أبدًا وبقيت مستيقظًا حتى الصباح.
كانت تلك الليلة هي آخر مرة أرى وأسمع فيها عازف الكمان. في صباح اليوم التالي، عندما أشرقت الشمس، اتصلت بمديري وقلت له إنني أريد إجازة اليوم لأنني مريض. بعدها مباشرة، اتصلت بالشرطة. عندما جاءوا، بدأوا يتجولون حول البيت ووجدوا آثار أقدام بين الأوساخ، لكنهم لم يجدوا أي شيء أو دليل يمكن أن يوصلهم للشخص. كل ما وجدوه هو آثار الأقدام. الوصف الوحيد الذي استطعت أن أعطيه لضابط الشرطة هو طوله. قلت لهم إنه كان طويلًا جدًا بحيث استطاع الوقوف والنظر إلي من فوق السياج. فقالوا لي إنه ربما كان يضع شيئًا تحته لينظر من فوق السياج.
كذلك قالوا لي إنهم لم يتلقوا أي تقرير أو بلاغ عن شخص يعزف الكمان في المنطقة، ولم يروا أي شخص يلعب أو يرقص عند التلة. هنا، شعرت وكأنني مجنون حرفيًا. لكن الضابط كان لطيفًا جدًا وعرض علي أن يجعل دوريات الشرطة تتجول حول منزلي في الليالي القادمة. هذا الشيء ساعدني في أن أريح ذهني قليلاً. لم يحدث أي شيء غريب خلال هذه الفترة.
بعد مرور سنة أو سنتين تقريبًا، بدأت الناس تأتي إلى هذه المنطقة وتسكن فيها وتكثر البيوت. أغلبهم تحدثت لهم عن قصة الكيان أو الشخص الغريب الذي كنت أراه. كانوا يستخدمون هذه القصة لتخويف أطفالهم. حتى أن واحدًا منهم سمى قطعة الأرض التي بها التلة “تل الكمان”. بالطبع، أنا ما زلت ساكنًا في بيتي وأعيش بسلام، ومستمر بنفس الروتين اليومي الذي أنا عليه.
هذه يا أصدقائي كانت نهاية هذه القصة. صراحة، الوقت الذي صورت فيه القصة والأحداث التي فيها جعلتني أشعر بالقشعريرة. بالنسبة لي، أعتبرها واحدة من أرعب القصص التي حصلت لي.