الشاحنة المهجورة في الطريق

الشاحنة المهجورة في الطريق
Facebook
WhatsApp
Telegram
X

بقلم:سامح ابراهيم

في ليلة باردة ومظلمة، كان أحمد يقود سيارته على الطريق السيار في طريق عودته إلى منزله. كان التعب قد استولى عليه بعد يوم طويل من العمل، والظلام الكثيف على جانبي الطريق جعله يشعر وكأنه في وسط صحراء شاسعة حيث لا صوت سوى صوت محرك سيارته وعواء الرياح التي تتسلل من النوافذ. كان أحمد يقود بسرعة متوسطة متفاديًا النظر في المرآة الخلفية التي كانت تعكس ظلالًا عابرة تزيد من توتره.بينما كان يعبر منعطفًا ضيقًا، لمح في الأفق ضوءًا خافتًا. اقترب أكثر ليجد شاحنة ضخمة متوقفة على جانب الطريق، بابها الأمامي مفتوح على مصراعيه. لم تكن هناك إشارات تحذيرية حولها ولا أضواء تنبه القادمين. بدافع من الفضول والخوف المختلط، قرر أحمد التوقف لمعرفة ما يحدث، ربما كان السائق بحاجة للمساعدة أو ربما تعرض لحادث. أطفأ محرك سيارته ونزل بحذر حيث كانت الرياح تعصف برفق بأوراق الأشجار التي تظلل الطريق، مما أضفى جوًا مخيفًا على المكان.اقترب من الشاحنة ببطء، وكلما خطا خطوة إلى الأمام كانت الظلال المحيطة تزداد سوادًا وكأنها تبتلع ضوء القمر الضعيف. عندما وصل إلى باب الشاحنة المفتوح، صدم بما رأى. المقصورة الداخلية كانت خالية تمامًا وكأن أحدًا لم يكن فيها على الإطلاق. تفقد المكان حول الشاحنة، يبحث عن أي أثر للسائق أو علامة تدل على سبب توقف الشاحنة هنا في هذا المكان المهجور، لكنه لم يجد شيئًا سوى آثار أقدام غامضة على الأرض بدت وكأنها تتجه نحو الغابة الكثيفة القريبة من الطريق ثم تتلاشى في الظلام.زادت نبضات قلبه وأحس بوخز في مؤخرة عنقه، كان هناك من يراقبه من بعيد. بينما كان أحمد يفكر فيما يجب أن يفعله، سمع فجأة صوتًا خافتًا كأنه همس ينبعث من داخل الشاحنة. تجمد في مكانه وشعر بقشعريرة تسري في جسده. بحذر شديد، أدار رأسه ونظر إلى داخل الشاحنة مرة أخرى. كانت هناك كتابة غامضة على الجدار الداخلي بدت وكأنها خدشت بأظافر حادة: “لا تقترب ولا تنظر خلفك”. في تلك اللحظة، سمع صوت خطوات ثقيلة قادمة من خلفه. لم يستطع أحمد أن يتحرك، كان الشلل قد استولى على جسده. خيم الصمت المريب على المكان وساد شعور بالخوف لا يمكن وصفه، إذ لم يجرؤ على الالتفات. شعر وكأن الظلام نفسه كان يتحرك حوله، وكان شيئًا يقترب منه ببطء.أخيرًا، بعد لحظات من الصراع الداخلي، جمع أحمد شجاعته وركض عائدًا إلى سيارته بأسرع ما يمكن دون أن يجرؤ على النظر خلفه. عندما وصل إلى السيارة وأدار المحرك، انطلقت بأقصى سرعة تاركًا خلفه الشاحنة المهجورة وكل تلك الظلال المخيفة. وبينما كان يقود بعيدًا، لمح في مرآة السيارة الخلفية شيئًا غريبًا. كان هناك ظل أسود يقف في مكان الشاحنة يراقبه بنظرات غير مرئية ولكنها ثقيلة كالصخر. أحمد لم يتوقف ولم يجرؤ على العودة إلى ذلك الطريق مجددًا. منذ تلك الليلة، كلما تذكر تلك اللحظات كان يشعر بأن هناك شيئًا يراقبه من بين الظلال، وأن الشاحنة المهجورة لم تكن مجرد صدفة.في إحدى الليالي الهادئة والباردة، كانت سارة تقود سيارتها على الطريق السيار في طريقها لزيارة صديقتها التي تسكن في بلدة مجاورة. الطريق كان مظلمًا وكاد يخلو من السيارات، ولم يكن هناك إلا ضوء القمر الخافت والأنوار الخافتة التي تنعكس من على الطريق، مما خلق جوًا غريبًا ومريبًا. كانت الساعة تقترب من منتصف الليل وسارة بدأت تشعر بالنعاس، لكنها حاولت الحفاظ على تركيزها للوصول إلى وجهتها.بينما كانت تقود، لاحظت شيئًا غريبًا في مرآة الرؤية الخلفية. للحظة، رأت ظلًا غامضًا في المقعد الخلفي للسيارة. كان هناك شخص يجلس هناك بصمت. ظنت أن الأمر مجرد خيال أو انعكاس للضوء، فحاولت تجاهل الأمر واستمرت في القيادة. لكنها شعرت بشيء غريب، كان هناك إحساس بوجود شخص آخر معها في السيارة، وكانت أنفاس باردة تحوم من حولها.حاولت سارة التركيز على الطريق، ولكن في كل مرة تنظر فيها إلى المرآة الخلفية، كانت تلاحظ ذلك الظل الغامض. وكان يبدو أنه يقترب ببطء، حتى بدا وكأنه يجلس في المقعد الأوسط خلفها مباشرة. ارتعدت من الخوف وبدأت تتساءل: هل هذا حقيقي؟ هل هناك أحد فعلًا يجلس في المقعد الخلفي؟ أم أن التعب جعلها تتخيل أشياء غير موجودة؟للتأكد من الأمر، قررت أن تتوقف عند أقرب محطة وقود لتتحقق مما يحدث. عندما وصلت إلى المحطة، أوقفت السيارة، أخذت نفسًا عميقًا ثم استدارت ببطء نحو المقعد الخلفي. لكن المفاجأة كانت أن المقعد كان فارغًا تمامًا ولا أثر لأي شخص. شعرت بالارتياح للحظة، وبدأت تقنع نفسها بأن ما رأته مجرد هلوسة من شدة الإرهاق. عادت إلى الطريق واستأنفت القيادة محاولًة نسيان ما حدث.لكن بمجرد أن بدأت بالقيادة مجددًا، عاد ذلك الإحساس المريب يطاردها مرة أخرى. ظهر الظل في المرآة الخلفية، ولكنه بدا أوضح هذه المرة، وكأن ملامح الوجه بدأت تظهر تدريجيًا. كانت عيون مظلمة ووجه شاحب يتجه بنظره مباشرة نحوها، وكأن هذا الظل الغامض يريد إيصال رسالة معينة. بدأت سارة تشعر بالذعر، فحاولت تجاهل المرآة وأخذت تردد بعض الأدعية. لكن كلما ازدادت سرعتها، بدا وكأن الظل يزداد وضوحًا ويقترب منها أكثر.في لحظة من الذعر، استجمعت شجاعتها وصرخت بصوت عالٍ: “من أنت؟ ماذا تريد مني؟” لكن لم يأتِها أي رد سوى الصمت الرهيب. أصبحت سارة ترتجف من الخوف، وأحست أن السيارة أصبحت باردة بشكل غير طبيعي، كان الهواء داخلها قد تجمد. في لحظة من التركيز والرعب، لاحظت أن هذا الكائن الغامض رفع يده ببطء وأشار إلى الأمام، وكأنه يرشدها إلى شيء ما في الطريق.ترددت في البداية، لكنها شعرت بقوة غامضة تدفعها لإلقاء نظرة إلى الطريق أمامها. وهناك، رأت سيارة متوقفة بعرض الطريق، وكادت أن تصطدم بها لولا أنها انحرفت بسرعة إلى جانب الطريق وتوقفت بجانبها، تلهث وتلتقط أنفاسها بصعوبة ويدها ترتجف من شدة الخوف. عندما استجمعت شجاعتها، أدركت أن هذا الظل قد أنقذ حياتها بطريقة ما. ربما كان تحذيرًا من روح غامضة. جلست في السيارة لبضع دقائق تحاول فهم ما حدث، شعرت بالامتنان ولكنها كانت في حيرة من أمرها. فهل كان هذا الظل شخصًا من عالم آخر أراد مساعدتها، أم مجرد وهم نتج عن خوفها وإرهاقها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع قد تهمك

error: المحتوى محمي !!
arالعربية