بقلم:سالم ازهري
في إحدى القرى النائية، كان هناك رجل عجوز يعيش في كوخ متهدم على أطراف الغابة. اسمه علي، وكان معروفًا بين أهل القرية بأنه شخص غريب الأطوار يعزل نفسه عن الجميع ولا يحب الاختلاط. كانت هناك شائعات تدور حوله؛ البعض يقول إنه كان في شبابه ساحرًا، والبعض الآخر يعتقد أنه ارتكب جريمة بشعة ولم يُكتشف أمره. ولكن الشيء الذي كان يثير رعب الجميع هو الكلب الأسود الذي كان يرافقه دائمًا. كان هذا الكلب ضخمًا ذا عيون حمراء وصوته مخيف يقطع الهدوء في الليل. لا أحد كان يعرف من أين جاء، ولكن الجميع كانوا متأكدين أنه ليس كلبًا عاديًا. كان يظهر فقط عند الغروب، يتبع العجوز حيثما يذهب، ويرتعد الأطفال عند رؤيته. كما كان كبار السن يتجنبون الحديث عن هذا الكلب خشية أن يجلب لهم الحظ السيء.في إحدى الأمسيات الباردة، قرر شاب مغامر يدعى محمود أن يكتشف سر العجوز والكلب الأسود. فقد كان قد سمع الكثير من القصص المروعة عنهما وكان يعتقد أنها مجرد خرافات. فذهب إلى كوخ العجوز في وقت متأخر من الليل، وعندما اقترب من الكوخ رأى الكلب الأسود واقفًا على عتبة الباب. عيناه الحمراء تراقبان كل حركة له، شعر محمود بالقشعريرة تسري في جسده، ولكنه تمالك نفسه وطرق الباب. سمع صوت العجوز وهو يقول بصوت خافت: “ادخل، ولكن عليك أن تكون مستعدًا لرؤية ما لا يمكنك تحمله.”دخل محمود وأغلق الباب خلفه. كان الجو في الداخل خانقًا والهواء ملوثًا برائحة قديمة وغريبة. العجوز كان يجلس في زاوية مظلمة، والكلب الأسود واقف إلى جانبه، عيناه الحمراء تتوهجان في الظلام. قال العجوز بنبرة غامضة: “أنت تبحث عن الحقيقة، أليس كذلك؟ ولكن الحقيقة قد تكون أسوأ مما تتصور.” ثم أضاف: “في هذا المكان بين ظلال الأشجار يوجد سر قديم لا يجرؤ أحد على اكتشافه. أنا والكلب الأسود جزء من لعنة عمرها قرون. كان الكلب في يوم من الأيام بشرًا مثلنا، ولكنه ارتكب خطيئة لا يمكن التوبة منها، فكان جزاؤه أن يتحول إلى كائن مظلم يحرس هذا المكان للأبد.”كان محمود يستمع بشغف، ولكن قلبه كان ينبض بسرعة. شعر بشيء غير طبيعي في المكان وكأن أرواح تحوم حوله. فاجأه العجوز قائلاً: “الكلب الأسود ليس مجرد حيوان، إنه حامل للأرواح التي ضاعت في هذه الغابة، وحين تأتي في الليل تصبح أنت جزءًا من هذه الأرواح.” فجأة بدأ محمود يشعر بشيء غريب، وكان الكلب الأسود يقترب منه رويدًا رويدًا. عيناه تتوهجان أكثر فأكثر، شعر محمود وكأن كل شيء يلتف حوله وأنه دخل في عالم آخر، عالم مظلم لا يمكن الهروب منه. نظر إلى العجوز فإذا به يبتسم ابتسامة مخيفة وقال: “لقد وقع اختيار الكلب عليك. الآن انتبه يا محمود، فإنك لم تأتِ لتبحث عن الحقيقة بل لتصبح جزءًا من اللعنة.”في تلك اللحظة، شعر محمود بثقل شديد يضغط على صدره، وبدأت عيناه تغلقان شيئًا فشيئًا. قبل أن يفقد وعيه، سمع همسات في أذنه كأنها أصوات أرواح ضائعة تقول له: “لقد تأخرت.” استفاق محمود ليجد نفسه في نفس المكان، ولكن كل شيء تغير. العجوز اختفى، والكلب الأسود كان واقفًا أمامه. عيناه تراقبان بنظرة حادة، شعر محمود وكأن العالم كله تحول إلى ظلال وأنه أصبح جزءًا من هذا المكان المظلم الذي لا مفر منه. منذ تلك الليلة لم يرَ أحد محمودًا مرة أخرى، ولكنهم كانوا يسمعون همسات غريبة في الغابة، وعندما يقتربون من الكوخ كانوا يرون الكلب الأسود واقفًا هناك. عيناه الحمراء تتوهج في الظلام، ويشعرون بشيء مظلم يراقبهم. ومن ذلك الحين أصبح الجميع يتجنبون الاقتراب من الغابة ويحذرون أبناءهم من الاقتراب من كوخ العجوز لأنهم يعلمون أن اللعنة التي حلت على محمود قد تلاحقهم في أي لحظة.