بقلم:احمد المجدولي
كيف تحول شاب عادي وانقلبت حياته رأسًا على عقب بعدما دخل إلى عالم السحر دون إرادته. قصة عجيبة جدًا وغريبة أكثر لكنها حقيقية من صلب الواقع المرير. سأحكي لكم القصة على لسان صاحبها.يقول بدر: بدأت قصتي لما كان عمري 15 سنة. ترعرعت وكبرت في بيت عمتي. كان الجميع ينظر إلينا نظرة حذر في القرية التي نسكنها بحكم أن عمتي كانت معروفة باسم نجيه، نجيه العرافة. كانت تمارس الكهانة والعرافة وشيئًا يسيرًا من الشعوذة والسحر مستغلة جهل أهل القرية وضعف إيمانهم. لا أعرف شيئًا عن والديّ ولا أذكر شيئًا عنهما، بل حتى عمتي تتجنب دوما الحديث عنهما. كنت أعيش رفقة عمتي في بيت طيني قديم ملاصق لمقبرة القرية التي كان يحرصها العم سعدان ويعيش بها رفقة أسرته. كان له ابن في نفس سني تقريبًا. وفي ليلة من الليالي كنت أتمشى في القرية وأثناء عودتي حدثتني نفسي بأن أدخل المقبرة فقط لأتحدى نفسي. تهور وطيش الشباب. دخلت المقبرة وبدأت أتمشى بين القبور ليقع لي شيء لم يكن في الحسبان.بعد الفجر بقليل رأى العم سعدان شخصًا ساقطًا على الأرض كأنه ميت بلا قبر. فهرع نحوه وأدخله غرفته. ذلك الشخص كان أنا. بدأ العم سعدان يحاول إفاقتي وهو يسألني ما بك؟ ما الذي حصل؟ لما دخلت المقبرة في الليل؟ فتحت عيني لكني لم أكن أستطيع الجواب. فحملني العم سعدان ثم أخذني إلى البيت. تركني قرب الباب ثم دخل يجري وهو ينادي عمتي نجيه. كان يقول: النجدة يا نجيه، ابن أخيك وجدته مرميًا بين القبور وهو الآن مصدوم لا يستطيع الكلام. نزلت عمتي بسرعة فوجدتني كالتمثال لا أحرك ساكنًا، فقط أنظر بعيني. قامت بفعل لم أفهمه حينما غطت رأسها بوشاح ثم بدأت تقول: التسليم للأسياد، التسليم للأسياد. ثم وضعت يدها على رأسي وبدأت تتمتم بكلام غريب غير مفهوم. في تلك اللحظة أحسست كأني كنت على وشك الغرق وتم إنقاذي. كانت أنفاسي متسارعة وجبيني يتصبب عرقًا. بعدها أخرجت عمتي من جيبها قنينة صغيرة بها زيت أحمر اللون. بدأت ترشني به وهي تقول: بركة الأسياد، بركة الأسياد. لم أكن أدرك ما يجري من حولي. ثم سألتني عمتي: ما بك يا بني؟ ما الذي حصل لك؟ نظرت إليها ثم نظرت إلى العم سعدان ففهمت أني أريد أن أكلمها منفردًا. فقالت لسعدان: شكرًا على مساعدتك، لقد تحسن حاله الآن. أتعبنا معك. فغادر العم سعدان بعد ما اطمأن علي. لم أكن أريد أن يعرف أحد بما وقع لي داخل المقبرة. كنت أريد أن أخبر عمتي فقط. وبدأت أحكي لها تفاصيل ما جرى. دخلت المقبرة بلا هدف، هو فقط فضول وتهور. بدأت أسمع أحدًا ينادي علي: بدر، بدر. كنت أظن أنه ابن العم سعدان، ربيع، الذي هو في مثل سني تقريبًا. فقلت له: ماذا تريد يا ابن سعدان؟ لكنه لم يجب. كنت ألتفت نحو الصوت فلا أرى شيئًا. الظلام دامس ولا أرى سوى شواهد القبور. منظر مخيف. أكملت طريقي ووصلت إلى أبعد نقطة في المقبرة حيث القبور القديمة جدًا، عمرها مئات السنين. وفي لحظة أحسست أني لم أعد أقوى على الحركة، لم أعد أستطيع المشي، كأني صرت مكبلًا. ثم رأيت شيئًا لا يصدقه العقل. رأيت ظلًا كبيرًا قادمًا نحوي يقترب شيئًا فشيئًا. لا يظهر من ملامحه شيء ولا يمكن تمييزه لأنه فعلا ظل أسود بلا معالم. لكن الأروع هو صوته، كان خشنًا وهو يقول لي: ستموت يا بدر. كنت أرتجف من الخوف وبدأت أترجى أن يتركني وشأني. فأخبرني أنه زعيم من زعماء الجن وسيد من حراس الكنوز. ثم اقترح علي أن يتركني وشأني بشرط واحد فقط. قال لي: شرطي لكي أتركك يا بدر هو أن تكون خادمًا لي وأن يكون بيننا عهد طاعة مطلقة. وإن خالفت هذا العهد فانتقامي سيكون شديدًا ومؤلمًا. سأقلب حياتك رأسًا على عقب وتندم حين لا ينفع الندم. ومن شدة خوفي يا عمتي وافقت على شرطه. وطلب مني أن أردد خلفه كلامًا لم أفهمه. بعدها لم أعد أعي ما يدور حولي حتى رأيتك أمامي يا عمتي. أرجوك، أنت عارفة بهذه الأمور، حاولي تخليصي مما أحس به وطردي ذلك المخلوق المرعب من فكري ومن حياتي كلها.رأيت في تلك اللحظة تغيرًا في ملامح عمتي التي قالت: أتريد أن أصرف عنك النعمة؟ لقد فتح لك باب عظيم لرزق وفير، مبارك عليك. سألتها مستغربًا: ما الذي تقولينه يا عمتي؟ فردت علي: هذه فرصتك، فرصة لن تتعوض أبدًا. لقد اختارك الجن، وإن عصيت أوامرهم فسينتقمون منك شر انتقام، وليس بعيدًا أن ينتقموا من عمتك أيضًا. نظرت إلى عمتي ولم أكن أدري حينها أنها تخفي عني سرًا كبيرًا وخطيرًا. ثم قالت لي: ستصبح ذا مكانة وقيمة، كل الناس سيسعون إلى إرضائك. ولا تخشى شيئًا، سأكون دوما معك وبقربك. بعدها بأيام سافرت رفقة عمتي للقاء أحد السحرة المعروفين في مدينة أخرى. كان هذا الساحر يهوديًا متمرسًا في السحر. طقوسه لما لقيته أول مرة ظهر لي أنه باذخ الثراء من خلال لباسه والسيارة الفاخرة التي يركبها. أمضيت أربع سنوات في تلك المدينة رفقة هذا الساحر وتعلمت منه كل صنوف السحر وطرائقه وأساليبه. خلال هذه السنوات الأربع كان الناس في قرية بدر مختلفين حول سبب اختفائه. بعضهم قال إنه هاجر رفقة عمته، وآخرون قالوا إنه قد مات. المهم كانت عودة بدر مفاجئة لكل أهل القرية.يقول بدر: عدت إلى القرية وقد تغيرت كليًا. فما ظنكم بفتى 15 عامًا يمضي أربع سنوات مع ساحر يهودي يحيط به المشعوذون والدجالون من كل اتجاه؟ تشربت السحر صغيرًا وبرعت فيه لدرجة أن الساحر اليهودي صار يلقبني بوريث الشيطان. بدأت أظهر لسكان القرية بعضًا من قدراتي. فأخبرت جارة لنا كان اسمها ملكة أن ابنها سيعود من سفره وسيحضر معه خيرًا كثيرًا. وبعد أيام كان الذي قلته لها. وما كان ذلك اطلاعًا على الغيب وإنما هو مساعدة من الجن.كان في القرية رجل يدعى الحاج زكريا، كان له ولد اسمه وائل عمره خمس سنين. خرج ذات يوم يلعب أمام الدار ثم اختفى ولم يجدوه. بحثوا عنه في كل القرية الصغيرة وضواحيها لكن لم يعثروا عليه. وبعدما أعياهم البحث، طرقت أمه باب بيتي وهي تستنجد بي قائلة: يا شيخنا، ساعدني في إيجاد طفلي وأنا أعطيك ما تريد. قلت لها مبتسمًا: هوني عليك، سأساعدك في هذا الأمر. ثم دخلت البيت واختليت بنفسي في غرفتي، ثم سألت خدامي من العالم السفلي عن الطفل، فأخبروني عن مكانه وما الذي حدث معه. خرجت إلى أم وائل وقلت لها: ولدك عند أناس قد وجدوه تائهًا، وهذا المساء سيحضرونه إليك. وفي نفس اليوم بعد غروب الشمس بقليل، جاء رجل ومعه آخرون من إحدى القرى البعيدة، جاؤوا يحملون وائلًا وأعطوه لوالديه. كانت أم وائل وأبوه في غاية الفرح والسعادة. فقال الحاج زكريا أبو وائل إنه سيعطيني جزءًا من أرض زراعية يمتلكها صار الناس ينادونني بالشيخ أو شيخنا رغم أن عمري لم يكن يتجاوز العشرين سنة. وفي يوم زارتني في البيت امرأتان، وقالت لي إحداهما إن ذهبها قد سرق وهي تعرف من سرقه. تقول إن أخت زوجها الحاضرة هي الفاعلة بحكم علاقتهما غير الطيبة مع بعضهما البعض. كانت أخت زوجها تقسم أنها ليست السارقة وتدعوني لكشف الحقيقة. تركتهما ثم دخلت خلوتي لأخرج بعد دقائق ومعي الكلمة الفصل في موضوع سرقة الذهب. نظرت إلى المرأة التي سرق ذهبها وقلت لها دون مقدمات: زوجك هو من أخذ الذهب ولقد باعه وهو يريد الزواج من امرأة أخرى في المدينة. فبدأت المرأة تولول وتصيح وهي تقول لي: ليتك لم تخبرني بهذا الأمر. أما أخت زوجها فكانت فرحة تضحك وتتشفي لأنها اتهمتها بالسرقة.يقول بدر: بمثل هذه القصص بدأت في بناء سمعتي وصار الكل يتحدث عن كراماتي ويقصدني الناس من كل مكان. رغم أن كل ما كنت أقوم به لا يعدو إلا أن يكون دجلًا وشعوذة. ويعتقد هؤلاء أن أكبر عون لي هو الجن، لكن لا، فأكبر عون لي كان هو جهل الناس وبعدهم عن الدين. أذكر أنه كان لنا نزاع حول حدود أرض، فحدثت بيني وبين الجار صاحب الأرض المجاورة مشادة وتلاسن أغضبني كثيرًا، فقررت الانتقام منه. دخلت خلوتي لهذا الغرض، غرض الانتقام، فلم تأت الليلة الموالية حتى صار جارنا مشلولًا. صار الأمر مرعبًا لبقية أهل القرية، أصبحوا يتجنبون إغضابي ويسعون إلى إرضائي خشية أن يصلهم انتقامي.بدأ يقصدني الناس من أجل أعمال خبيثة، فكنت أقوم بها. لا يهمني شيء سوى المال ولا شيء غير المال. بل وكنت أفضل أعمال الشر والانتقام والأمراض والتفريق. يكفيني فقط أن يأتيني الزائر بأثر أو صورة لمن يريد الانتقام منه، فأقوم باللازم وأرسل عليه خدامي فيصيبهم ما شئت من مرض أو حتى الجنون. كل هذه الأعمال كانت مقابل الهدايا والقرابين والأموال. أصبحت أغنى واحد في القرية، اشتريت منزلين آخرين وأصبح لي أراضٍ شاسعة. كان بإمكاني أن أنتقل للعيش في المدينة، فأسكن في أفخم بيت وأركب أغلى سيارة، لكني فضلت البقاء في بيت عمتي القديم الملاصق للمقبرة. ففي تلك المقبرة كنت أدفن الأعمال السحرية وأحيانًا أخذ ما أحتاجه من أجساد الموتى.وفي ليلة حالكة الظلام، غطيت وجهي ودخلت المقبرة. لمحني الحارس العم سعدان. كنت أحفر حفرة صغيرة وأدفن فيها عملًا سحريًا كان ملطخًا بدم قربان. فهرع الحارس سعدان نحوي وهو يسألني والاستغراب ظاهر على وجهه: ما هذا؟ ما الذي تفعله هنا يا شيخنا؟ ما الذي في يديك؟ نظرت إليه نظرة صارمة ثم قلت له: لو نطقت بكلمة وحدثت أحدًا بما رأيت، فالاسياد سيخسفون بك الأرض. فاكتم هذا الأمر لتحافظ على حياتك، وبإمكاني أن أسلط عليك من يصيبك بالجنون فتهيم على وجهك حتى الموت. فارتعب العم سعدان وبدأ يتوسل لي ألا أؤذيه وطلب مني أن أسامحه. فقلت له: إذن فما رأيته سر ولن تكشف عنه طوال حياتك. هز العم سعدان رأسه موافقًا، ثم أخرجت من جيبي مبلغًا من المال ووضعته في يده. وأنا متأكد أن العم سعدان الذي عاش فقيرًا طوال حياته لم يحصل يومًا على مثل هذا المبلغ الذي أعطيته إياه. كاد يجن من الفرح، فانحنى وقبل يدي وهو يقول: سرك في بئر يا مولانا، وأنا من اليوم خادم لك فعلا صار العم سعدان يساعدني ويقوم بأي عمل أطلبه منه. وبالإضافة إلى ذلك، صار كلما حلت له الفرصة يتكلم عني وعن بركاتي وكراماتي، بل ويخترع من نفسه أساطير عني لا وجود لها في الواقع. تماديت في أعمال الشر والتفريق بين الأزواج بسبب وبدون سبب، فقط من أجل المال. كم كنت غافلًا ومستهترًا. ولأن الله رؤوف بالعباد، كان يرسل لي علامات ورسائل تؤكد لي أني أسير في طريق هلاكي، لكن بتكبري لم أعبأ لهذه الرسائل الربانية ولم أتُب من أفعالي الشيطانية. ولما بدأت الشكوك تحوم حولي وحول علاقاتي بالجن والسحر، قررت الزواج فقط لإسكات الناس. بعد سنوات رزقت بفتاة وأنا لا أزال في العيش الحرام الذي زين لي من شياطين الإنس والجن.بعد ذلك اكتسبت قدرة على الكشف عن الكنوز المدفونة. ففي مرة كنت مارًا قرب منزل الحاج زكريا أبو وائل، وبدون شعور وقفت أمام الدار ونظرت إلى أسفلها. انتابني إحساس غريب بأن هناك شيئًا ما أسفل المنزل. ناديت على الحاج زكريا فخرج عندي. قلت له: أريدك في أمر هام. فرد علي: أمرك يا شيخنا، ما الأمر؟ فقلت له: الموضوع الذي أريدك بشأنه سر لا أريد أن يعرفه أي أحد. رد علي وهو مستغرب: يقول لعله خير يا شيخنا. قلت له مبتسمًا: خير كبير، تحت بيتك هناك كنز وعليه حرس قوي، لكني كفيل به وأنا الوحيد الذي بإمكانه استخراج هذا الكنز. بقي الحاج زكريا ينظر في ذهول فقد أسكتته الصدمة، ثم قال: وما العمل الآن؟ قلت له: غدًا سيأتي معي شخص آخر وسأخبرك بما يلزم علينا فعله.وفي اليوم الموالي قبيل منتصف الليل، ذهبت رفقة العم سعدان إلى بيت الحاج زكريا. أدخلنا إلى الداخل في جنح الظلام، رسمت رسومات على الأرض وعلى الحائط، وفي تمام منتصف الليل أشعلت بخورًا ووقفت في وسط الدار أردد التعاويذ والطلاسم وأنادي وأنادي بأسماء الجن. طلبت من كل ساكني الدار الخروج والانتظار خارج البيت.وبعدما بقيت وحيدًا هناك، ظهرت لي إشارة بالموعد فخرجت ثم أخبرت الحاج زكريا أن الحفر سيكون بعد يومين على أن لا يكون معنا في البيت غيره هو. كما أخبرته بأنه سيأخذ ثلث الكنز والباقي لي. وافق الحاج زكريا وقال: كل ما تفعله وتقوله أنا معك فيه يا شيخنا، لا رأي إلا رأيك، وهذا الكنز هو بفضلك أنت.وبعد يومين حان وقت الحفر. وقفت أمام البيت وبدأت في قراءة طلاسم. قال لي زكريا إنه سمع صوتًا مريبًا في أذنه. قلت له: تلك علامة جيدة. دخلت البيت وأنا أحمل ديكًا كبيرًا أسود اللون، ذبحته وسط تلك النجمة التي رسمتها وسط الدار ثم رششت الدم على الجدران. بعد لحظات صاح الحاج زكريا وهو يقول: هنا، وهو يشير بيده إلى ركن من جدار قرب الباب. سألته: ما الذي رأيته؟ قال: باب صخري صغير عليه كتابات ليست عربية ورموز غريبة. وضعت علامة على المكان ثم أمرت العم سعدان ورجل آخر معه بالحفر هناك. وأوصيت قائلاً: إن سمعتم صرخة قادمة من المكان فأوقفوا فورًا، ونفس الشيء إن رأيتم قطًا أسود اللون. مر الأمر بسلاسة وأخرجنا الكنز الدفين. أخذت نصيبي كاملاً وأعطيت صاحب المنزل نصيبه.بعدها بدأ يظهر علي الغنى والثراء الفاحش. أما الحاج زكريا فقد ترك القرية وذهب إلى المدينة رفقة أسرته فقد صار ثريًا جدًا. بعد ذلك صرت معروفًا باستخراج الكنوز ويقصدني كل باحث عن الكنز، وذلك طبعًا مقابل نصيب مهم ونسبة معلومة. أخرجت الكثير من الدفائن الثمينة وأخذت عهودًا جديدة من زعماء الجن السفلي. حتى أني تعلمت نوعًا آخر من سحر نادر قديم، إنه سحر الفراعنة. أصبح عندي مال ونفوذ قوي في القرية وخارجها.وفي يوم كنت أمشي في وسط القرية لأحد أغراضي، استوقفني صوت مسجل قرآن من بيت امرأة عجوز كانت جالسة أمام باب بيتها. وقفت بالقرب منها وبدأت أستمع للقرآن وكأني أسمعه لأول مرة. وبينما أنا كذلك، انتبهت إلي العجوز ثم رفعت رأسها ونظرت إلي لتصرخ وتهرب. سألها من لقيها من أهل القرية عن ذلك: ما بك؟ فقالت: لقد رأيت الشيخ بدر على هيئة شيطان، كان وجهه مشعرًا وقبيحًا.لكن لا مجال للعودة إلى الوراء. ثم تمر السنين، صارت ابنتي شابة، الكثيرون يرغبون في الزواج منها فهي ذات جمال ومال. تذكرون جارنا الذي وقع بيني وبينه نزاع حول حدود الأرض والذي سلطت عليه من يصيبه بشلل؟ نعم، هو لا يزال مشلولًا رغم مرور السنين. له ولد اسمه عاصم كان يرغب في الزواج من ابنتي. هذا ما أخبرني به خدامي من الجن. كما أخبرني أيضًا أن ابنتي كانت راغبة في الزواج منه. قلت لها: لن تتزوجيه مهما يكن ولن أوافق أبدًا على ذلك. كنت غاضبًا جدًا. دخلت خلوتي لأبدأ في إرسال اللعنات على تلك الأسرة السيئة الحظ لأن لها جار سوء مثلي. في نفس الليلة بدأنا نسمع صرخات قادمة من دارهم. هرع إليهم الجيران وأهل القرية ليروا ما أصابهم، إلا أنا طبعًا كنت جالسًا في بيتي أبتسم ابتسامة ماكرة وأقول في نفسي: هذا جيد جدًا، سأجعل عاصم وأسرته يعانون الأمرين حتى لا يفكر مجرد تفكير في الزواج من ابنتي. كان عاصم يصرخ بشكل هستيري ويمزق ملابسه ثم جرى بسرعة كمن يهرب من شيء ما. وبعد يومين وجده الناس نائمًا في المقبرة. أعادوه إلى البيت لكنه ما لبث أن هرب مرة أخرى وهام على وجهه. لقد فقد عاصم عقله، وأثناء الليل كان لا يكف عن الصراخ فيسمعه كل أهل القرية. لقد سحرته بسحر خبيث، سحر أسود سفلي. أيقنت أم عاصم أن ما جرى لولدها كان بسببي، فجاءت إلي متوسلة حتى أنها حاولت تقبيل يدي وقدمي. فقلت لها بكل كبر وصفة: سأجعل من ولدك عبرة لمن يعتبر وستتحسن عليه لبقية حياتك. فانصرفت وهي تبكي بحرقة. لم يؤثر ذلك فيّ فقد كان قلبي كقطعة من حديد لا إحساس فيه.ثم عادت إلي أم عاصم ومعها أهل القرية يتوسلون أن أرحم هذه الأم المسكينة والأب المشلول. قلت لأم عاصم: عرفت الآن من أكون وعرفت مغبة من يتطاول علي أو يحاول الاقتراب من ابنتي. سأفك السحر عن ولدك لكن بشرط: تحملين زوجك المشلول وولدك ثم تغادرون القرية كلها وتتنازلين لي عن بيتكم وأرضكم. لم تجد المرأة بدًا من الرضوخ والموافقة على شرط مجحف، وأعلنت قبولها أمام الجميع.ومن كان يظن أني وصلت حدي في الشر والأذى، فأقول لك استمع، فالقادم أشد وأكثر شرًا. كانت عمتي نجيه تقوم بعمل أسحار لأهل القرية والقرى المجاورة، وكانوا يأتون إلي لأفك لهم. كانت هي الداء وأنا الدواء، هي المرض وأنا العلاج. لكن قبل أن أعالج هؤلاء وأفك سحرهم كنت آخذ مالهم كله، ومن ليس له مال فأخذ أرضه أو بيته. أما العم سعدان فلم يقصر من جهته، كان يجلب لي الكثير من الزبائن أو الضحايا إن صح التعبير. بدأ يأتيني أناس من مدن أخرى بعيدة، بل وحتى من دول أخرى، فقد بلغت شهرتي الآفاق وذاع صيتي في كل مكان. حتى أن رجل سلطة كبير في منطقتنا قامت عمتي بسحر ابنه بسحر الأمراض فلم يعرف له أبوه علاجًا. أعياه زيارة الأطباء والمستشفيات وكان على وشك أخذه إلى الخارج ليعالجه، إلا أن العم سعدان قصد مكتبه وطلب لقاءه ثم قال له لما دخل عليه: جئتك يا سيدي ناصحًا لوجه الله بعدما علمت ما حل بولدك. هناك في قريتنا رجل مبارك ذو كرامات، ولقد شفي على يديه الكثيرون. ولقد جربتم كل الأطباء بلا نتيجة تذكر، فما رأيكم أن تجربوا الشيخ بدر؟ وأكيد لن يتوانى عن مساعدتكم.وفي نفس اليوم زارني في بيتي ذلك المسؤول الكبير ومعه ولده المريض. قمت بعلاجه أو بالأحرى فك السحر عنه، فقام من فوره كأن لا شيء به. فرح والده وأغدق علي مالًا كثيرًا. لكن ما ينفع كل هذا المال إن كان المرء غارقًا في وحل الرذيلة والكبائر؟ بدأت تصيبني بعض الأمراض الغريبة، أعراض تظهر علي ثم تختفي فجأة. كنت لا أزال أسكن في بيت عمتي القديم مع زوجتي وابنتي، لكن البيت كان مليئًا حرفيًا بخدام من الجن. ومع مرور السنوات وكثرة التجارب، أحسست أني قد أحطت بعلوم السحر وتمكنت من تسخير الجن، وبأني أقوى منهم ومتصرف فيهم، وأن عليهم طاعتي. لكن قد ينقلب السحر على الساحر. لقد غلبني الغرور والكبر وبدأت أقلص طاعتي للأسياد وأنقص من ولائي لهم. ولم أكن أعرف أن انتقامهم سيكون قاسيًا جدًا، فقد أرادوا أن يجعلوا مني عبرة لكل خادم لهم من الإنس يريد أن يتملص منهم ومن طاعتهم.في ليلة قمت من النوم وأنا أصرخ. قلت لمن حولي أن ينادوا عمتي التي جاءت إلي على عجل وهي تسألني متلهفة: ما بك يا بني؟ قلت لها: لقد شلت قدماي. ردت علي مستغربة: كيف ذلك؟ قلت لها: لقد تأخرت في تأدية فروض الطاعة للأسياد، فأتوا إلي هذه الليلة وقيدوني ثم ضربوا قدماي حتى أصيبتا بشلل تام. وفي صباح اليوم الموالي قامت عمتي بذبح الذبائح قرابين لكل أسياد الجن، لكن دون جدوى. قررنا بعد ذلك أن نغادر القرية. كنت خائفًا من سقوط هيبتي إن علم أهل القرية أني أصبت بشلل وأنا الشيخ صاحب الكرامات. ذهبنا إلى إحدى المدن المجاورة، سكنّا في شقة كبيرة في إحدى العمارات، أنا وزوجتي وكذلك عمتي التي صارت عجوزًا أفنت عمرها في السحر والشعوذة والشرك.وقد كان مقدرًا لي أنه في الشقة المقابلة لشقتي كان يسكن رجل فاضل، شيخ يظهر عليه الصلاح والتقوى نحسبه والله حسيبه. هذا الرجل كان له الفضل بعد الله عزوجل