بقلم: الاحمدي ابراهيم
لم أفهم تصرف دجن وهو يبتسم ابتسامته المخيفة لجثة عمار الملقاة على الأرض. صرخت فيه بغضب: “لماذا قتلته؟” رد ببرود: “هل جئنا لنلعب؟” قلت بغضب: “لم أكن أريد قتله!” رد بهدوء: “لو لم أقتله كان سيقتلنا.” وقفت صامتًا للحظة، شعور الحزن يملأني على عمار، لكنه بدأ يتلاشى كلما تذكرت ما فعله بأمي. بعد دقائق من الصمت، قال دجن: “هل سنذهب الآن؟” قلت له: “انتظر، أريد أن أزور أحدهم قبل أن ننزل.” سأل باستغراب: “وهل هذا وقته؟ من هذا الشخص؟” قلت بحزم: “لا يهمك، فقط انتظر هنا.” ضحك وقال: “لا تتأخر، فأنا لا أجيد الطيران ليلاً.” سلكت الطريق إلى منزل الرجل الذي أوصلني إلى بيت عمار في زيارتي السابقة. كان الصباح قد بزغ عندما وصلت. طرقت الباب ففتحت لي ابنته الصغيرة. سألتها: “أين والدك؟” نظرت إلي بصمت ثم هرعت إلى الداخل. وقفت أمام الباب المفتوح منتظرًا. فتح الباب لي شخص لم يكن الرجل الذي أوصلني سابقًا. نظرت إليه مستغربًا وسألته: “أين الرجل الذي يعيش هنا؟” قال ببرود: “لا يوجد رجل في هذا المنزل غيري.” قلت بثقة: “مستحيل، أنا واثق أن هذا هو منزله.” ابتسم وقال: “تفضل، فتش المنزل إذا أردت.” قلت له: “لا شكرا، لكني متأكد أنه يعيش هنا.” سألني: “ما اسمه؟” قلت بتردد: “لا أعرف.” رد باستغراب: “صف لي شكله.” وصفت له ملامح الرجل، فتغيرت ملامح وجهه وقال بدهشة: “هذا أبي!” ابتسمت وقلت له: “ألم أقل لك إنني كنت محقاً؟ يبدو أنه كان يزورك خلال تلك الفترة.” أخبرني عن مكان منزله وسأذهب إليه بنفسي. نظر إلي قليلاً ثم قال: “اتبعني.” مشيت خلفه لفترة حتى توقف أمام سور كبير ممتد وقال لي: “أبي موجود خلف هذا السور، اذهبوا وتحدثوا إليه.” سألته بقلق: “كيف سأعرفه؟” فقال لي: “اسأل عن سالم.” لم أجد للسور بابا، فمشيت حتى وصلت لبوابة كبيرة عليها حارس منعني من الدخول. قلت له: “أريد أن أقابل سالم.” فقال: “تفضل بالدخول، إنه موجود بالداخل.” فدخلت وصدمت من المنظر؛ قد رأيت مجموعة من القبور وكان قبر الرجل بينها. لقد كنت في مقبرة القرية والرجل ميت منذ عشرة أعوام. سألت حارس المقبرة عن الرجل الذي رأيته وسألته: “كيف مات؟” فحكى لي قصته. قال حارس المقبرة: “سالم كان رجلاً نقيًا وصالحًا، وكان كل أهل القرية يحبونه. وعندما كان في شبابه كان هو وأخوه الأكبر مسؤولين عن المسجد ويتناوبان على الأذان والإمامة فيه. وكان الناس يثقون بهما جدًا. حتى ذلك اليوم الذي جاء فيه للقرية رجل غريب واشترى أحد المنازل التي كانت معروضة للبيع وسكن فيه. في البداية، لم يعرف الناس أنه ساحر فقد كان يدعي الصلاح والورع، وكان يعرض على الناس خدماته كعلاج السحر والربط والقراءة على المرضى الممسوسين. لكن لم يكن أحد في القرية يعاني من تلك الأمور، لذلك لم يكن أحد يزوره أو يطلب خدماته. وبعد مضي عدة أشهر بدأت تظهر على بعض الناس أعراض لأمراض غريبة ومشكلات نفسية لم يجد الطب لها حلاً. وبعد يأسهم وقلة حيلتهم، بدأ البعض يذهب لذلك الرجل. وكلما ذهب إليه أحد، خرج معافى. ومع مرور الوقت ذاع صيته بين أهل القرية. لم يعجب ذلك الوضع سالم وأخوه الأكبر، لأن ذلك الرجل كان يستغل ويستنزف من الناس أموالهم دون وجه حق. فقررا الذهاب لمنزله والتفاهم معه. طرق سالم الباب، فتح لهما الساحر وقال: “ماذا تريدان؟” رد عليه سالم بغضب: “اخرج أنت وخزعبلاتك من القرية!” فضحك الساحر وقال: “ومن أنت لتطردني؟” فقال سالم: “أنا شيخ القرية، وأنت ترتكب إثماً عظيماً بحق نفسك وبحق أهل القرية، ولن أسمح لك بالاستمرار في هذا الفجور.” فقال الساحر: “أنا وأهل القرية أدرى بشؤونها، فلا تتدخل فيما لا يعنيك.” أغلق الساحر الباب بعد كلامه في وجه سالم. فغضب أخوه الأكبر وطرق الباب بقوة. فلم يفتح الساحر، فكسر أخو سالم الباب ودخل على الساحر عنوة. فلحقه سالم ليجدا الساحر بين مجموعة من الطلاسم، وكانت رائحة المكان كريهة. فصرخ فيهما الساحر وقال: “اخرجا من هنا قبل أن تندما!” فهجموا عليه وضرباه حتى كاد يموت، وسحباه لوسط القرية والدماء تسيل من وجهه وثيابه ممزقة. واجتمع الناس حولهم، وقال سالم بصوت مرتفع: “هذا الرجل ساحر، يخدعكم، وهو الذي كان سبباً في مرضكم كي تلجؤوا إليه.”