بقلم:احمد الجاويد
كانت ليلة هادئة تحت سماء مرصعة بالنجوم، حين قرر أربعة أصدقاء: يوسف، سرة، علي، وهند، الانطلاق في رحلة برية لاستكشاف الطبيعة. كان يوسف، الذي يقود المجموعة، مهووسًا بالخرائط والطرق غير المألوفة، وهو الذي اقترح أن يسلكوا طريقًا جبليًا بعيدًا عن الزحام. “هذا الطريق مختصر”، قال يوسف بثقة، وهو ينظر إلى خريطة قديمة وجدها في مكتبة عتيقة. لكن الأمور لم تسر كما خططوا؛ بدأ الظلام يزداد كثافة والطريق أصبح أكثر وعورة. وبينما كانوا يتجادلون حول الاتجاه الصحيح، توقفت السيارة فجأة. “ما الذي حدث؟” سأل علي بنظرة عصبية. “يبدو أن المحرك تعطل”، رد يوسف وهو يحاول تهدئة الجميع.مع نفاد بطارية هواتفهم وعدم وجود إشارة للاتصال، قرروا البحث عن مساعدة سيرًا على الأقدام. وبينما كانوا يسيرون في الظلام، لاح لهم نور خافت من بعيد. اقتربوا منه ليكتشفوا قرية صغيرة محاطة بغابة كثيفة. المنازل كانت بسيطة ومضاءة بمصابيح قديمة، لكن الغريب أن القرية لم تكن موجودة على أي من الخرائط التي يملكها يوسف.”يا رفاق، هذه القرية لم تكن هنا على الخريطة”، قال يوسف وهو يحاول فهم ما يراه. “هل تريد منا أن نعود إلى السيارة؟ أنا شخصيًا أفضل سقفًا فوق رأسي الليلة”، ردت هند بشيء من التوتر.قرروا الدخول إلى القرية، حيث استقبلهم السكان بحفاوة غريبة. كانوا مبتسمين بشكل مفرط، وكل شخص قابلوه بدا سعيدًا برؤيتهم. “أهلاً وسهلاً بكم. نحن نحب الزوار”، قالت امرأة مسنة تحمل سلة مليئة بالفواكه.رغم الترحيب الحار، شعر الأصدقاء بعدم الارتياح، لكن التعب والجوع دفعهم إلى قبول دعوة السكان للإقامة في أحد المنازل. في الليلة الأولى، استمتع الأصدقاء بعشاء فاخر قدمه السكان. الطعام كان لذيذًا، والناس كانوا ودودين بشكل لا يصدق. لكن أثناء العشاء، لاحظت سرة شيئًا غريبًا. “هل لاحظتم أن هناك المزيد من الناس في القرية الآن؟ كأن العدد ازداد منذ وصلنا؟” همست. ربما خرج البعض للعمل وعادوا الآن، قال علي محاولًا تفسير الأمر. كانت ملاحظات سرة ليست مجرد أوهام. في اليوم التالي، لاحظ الأصدقاء أن سكان القرية يتصرفون بشكل غريب. كانوا يراقبونهم من النوافذ، ويبتسمون بطريقة غير مريحة.أثناء تجولهم في القرية، لاحظ الأصدقاء أن هناك منزلًا قديمًا في وسط القرية يمنع الاقتراب منه. قرر يوسف، بحكم فضوله، أن يستكشف المكان ليعرف سر هذه القرية الغريبة. عندما دخل المنزل، وجد دفترًا قديمًا مليئًا بالملاحظات. الصفحات كانت تحتوي على أسماء وصور لأشخاص اختفوا في ظروف غامضة.بينما كان يقلب الصفحات، أدرك أن بعض الصور كانت لأشخاص شاهدهم في القرية، لكنهم كانوا مسجلين كمفقودين منذ عقود. “يا إلهي!” صرخ يوسف. “السكان ليسوا كما يبدو”. هرب يوسف عائدًا إلى أصدقائه، وشرح لهم ما اكتشفه. بدأ الجميع يشعر بالخوف، وقرروا المغادرة فورًا.بينما كانوا يستعدون للرحيل، حاصرهم السكان بابتساماتهم الغامضة. تقدم زعيم القرية، وهو رجل طويل ذو عينين حادتين، نحوهم وقال: “لماذا العجلة؟ نحن نحب أن يبقى الزوار هنا”. “نحن بحاجة إلى العودة إلى مدينتنا”، صرخت سرة. ضحك الرجل بصوت مخيف وقال: “لا أحد يغادر القرية. أنتم الآن جزء منا”.بدأ الأصدقاء يدركون الحقيقة المرعبة. السكان ليسوا بشرًا عاديين، بل كانوا كائنات تتغذى على الخوف. كلما زاد رعب الزوار، أصبحوا أقوى. بينما كان السكان يقتربون منهم، خطرت فكرة مجنونة في ذهن يوسف. قال بصوت مرتفع: “انتظروا. إذا كنتم تتغذون على الخوف، فلماذا لا تجعلون هذا عملًا مربحًا؟”توقف زعيم القرية عن التقدم وسأل: “ماذا تعني؟” قال يوسف: “بدلاً من خطف زوار عشوائيين، يمكننا أن نحول قريتكم إلى منتجع سياحي للرعب. الناس سيدفعون أموالًا طائلة لتجربة شيء مخيف”.نظر السكان إلى بعضهم البعض بارتباك، ثم قال الزعيم: “تابع”. “نحن سنساعدكم في جلب الزوار، وسننظم التجربة بحيث تكون مرعبة بما يكفي لتغذيتكم، لكنها لن تؤدي إلى اختفاء أحد. الجميع سيربح”.وافق السكان على الفكرة وبدأ الأصدقاء في العمل معهم لتحويل القرية إلى وجهة سياحية للرعب. صمموا قصصًا وأحداثًا مرعبة، مثل منزل الأشباح، وغابة الظلال، ومطاردة القرية. افتتحوا الموقع الإلكتروني وأطلقوا عليه اسم “قرية الرعب – تجربة لا تُنسى”. بدأت الحجوزات تنهال من جميع أنحاء البلاد، وتحولت القرية إلى وجهة سياحية ناجحة. السياح كانوا يعودون إلى منازلهم بأكثر القصص إثارة، والسكان كانوا يحصلون على غذائهم من الخوف الذي يشعر به الزوار، دون أن يؤذوا أحدًا. الأصدقاء أصبحوا مديرين للمنتجع، وكل واحد منهم كان يدير جانبًا مختلفًا. يوسف أصبح مدير التخطيط والإبداع، علي تولى العلاقات العامة والترويج، سرة كانت مسؤولة عن تجربة الزوار، وهند أشرفت على السلامة العامة لضمان أن الجميع يعود سالمًا.وفي إحدى الليالي، أثناء احتفالهم بنجاح المشروع، قال علي مازحًا: “لقد حولنا قرية تأكل الزوار إلى قرية تشبع الزوار بالخوف”. ضحك الجميع، لكن في أعماقهم كانوا يدركون أنهم جزء من قصة غريبة لا تُنسى.وإذا وجدت نفسك يومًا في رحلة برية، ووصلت إلى قرية غريبة، ربما تكون قد وصلت إلى قرية الرعب.