بقلم:سناء عدلي
كان يعيش مع والديه في منزل منعزل. كان البيت واسعًا، جميلًا، ومجهزًا بكل وسائل الراحة رغم أنه خارج المدينة ويطل على إحدى القرى البسيطة. وديع، طالب في السنة الأخيرة من الثانوية العامة، كان مجتهدًا وملازمًا لكتبه ودروسه. لم يكن يصدق بأن الجن قد يتلبس الإنسان أو أن السحر يمكن أن يسلط الجن على الإنس، بل كان يعتقد أنها مجرد خرافات. في أحد الأيام، زارتهم خالته وابنتها أميمة. بعد الترحيب، عاد وديع إلى غرفته ليدرس. لكنه سمع طرقًا على الباب، وخرج ليرى والده يستقبل رجلًا شيخًا بلباس أبيض ولحية بيضاء. دخل الشيخ إحدى الغرف مع والد وديع، فتبعه وديع ليراقب. بدأ الشيخ بقراءة القرآن على أميمة، التي تغير صوتها ليصبح خشنًا كصوت رجل، وبدأت تتحرك بحركات هستيرية. هربت أميمة إلى الحمام وأغلقت الباب، وحاول الجميع إقناعها بالخروج. طلبت أميمة خاتمًا كان يملكه والد وديع، وعندما مد يده بالخاتم، فتحت الباب لكنها فقدت وعيها بعد أن أكمل الشيخ القراءة عليها. ظل وديع مستهزئًا بما حدث، معتقدًا أنه مجرد حالة نفسية. مرت الأيام وحصل وديع على الثانوية العامة بامتياز، وتمكن من الحصول على منحة دراسية في جامعة بعيدة. قرر وديع الانتقال للعيش قرب الجامعة، وزيارة عائلته في كل عطلة. قبل مغادرته بأيام، قرر وديع الذهاب في رحلة برية مع أصدقائه إلى الصحراء، حيث تحدثوا عن الجن وقصصهم. وديع كان الوحيد الذي عارض فكرة تلبس الجن بالإنس.قرر وديع إثبات رأيه، فابتعد عدة خطوات وبدأ ينادي بصوت عالٍ على الجن، لكن لم يحدث شيء. بعد الرحلة، انتقل وديع للعيش قرب الجامعة، وفي أوقات فراغه، بدأ يشاهد ويسمع قصص الرعب والجن. أصبح مهتمًا بكتاب “شمس المعارف الكبرى”، فبدأ البحث عن نسخة منه.عثر وديع على نسخة مقلدة من الكتاب، وبدأ بقراءة الطلاسم ومحاولة استحضار الجن، لكن دون جدوى. سمع وديع عن شخص يملك النسخة الأصلية من الكتاب ويريد بيعها. اتفق وديع معه ودفع ثمنًا باهظًا للحصول عليها. بعد عدة محاولات فاشلة، أغلق وديع الكتاب ووضعه على الرف.بعد أيام قليلة، استيقظ وديع في ليلة ليشعر بأن أحدًا يحاول فتح باب غرفته بالقوة. عندما فتح الباب، لم يجد أحدًا. عاد إلى غرفته ووجد الباب مفتوحًا رغم أنه أغلقه. بدأ يشعر بشيء يسحب الغطاء عنه ورأى امرأة عجوز مرعبة قرب سريره. ظن وديع أنها تهيؤات واستلقى على فراشه مجددًا. ثم سمع صوت ضحكات مريبة. ومفزعة، قام وديع من مكانه فقد تملك الخوف قلبه وشخص ببصره نحو الباب يخشى أن تعود إليه العجوز. أدرك أن الأمر مفزع ومرعب، بدأ يردد بعض الآيات التي يحفظها فاختفى صوت الضحكات، لكن ما أن يتوقف عن قراءة القرآن حتى يعود صوت الضحكات المرعبة والهمهمات المريبة. بقي على هذا الحال حتى طلع النهار، فحمل كتبه ودفاتره وغادر نحو الجامعة.مضى اليوم سريعًا، وفي المساء قرر وديع ألا يبيت ليلة أخرى في غرفته بل سيعود إلى منزل والديه، يكفيه ما رأى لحد الآن. ركب وديع سيارته الصغيرة وانطلق في اتجاه القرية حيث منزل والديه. كان الطريق ضيقًا ومظلمًا خلال الليل، مليئًا بالمنعرجات بين الجبال العالية عن اليمين والشمال. الجو كان كئيبًا والظلام مخيفًا. وبينما وديع يقود السيارة ويحاول الإسراع حتى يصل في أقرب وقت إلى المنزل، حدث ما لم يكن في الحسبان. انفجرت إحدى عجلات السيارة فصاح قائلًا: “يا لحظي التعيس!”، أوقف سيارته بجانب الطريق ليغير إطار عجلة السيارة. نزل وأخرج المفتاح لفك براغي الإطار، وبينما هو كذلك، سمع نفس الضحكات المستفزة التي سمعها بالأمس. كان الصوت قادمًا من جهة الجبل. دخل وديع سيارته بسرعة وأغلق الباب خلفه، محاولًا الهروب من الرعب.بعد دقائق، تشجع وديع وخرج من السيارة تاركًا إذاعة القرآن مشتغلة، ليكمل تركيب إطار العجلة. أحس بأحد يلقي عليه حصوات صغيرة من ورائه. لم يجرؤ وديع على الالتفات، وأكمل عمله بيدين مرتعشتين، ثم ركب في السيارة وانطلق بأقصى سرعة. وصل وديع إلى بيت والديه وكان الوقت متأخرًا. سلم عليهم ثم دخل غرفته واستسلم لنوم عميق. في اليوم التالي، سأله والداه عن سبب عودته المفاجئة، فقال إنه يرغب في أن يرتاح قليلًا.مر اليوم هادئًا وجاء الليل. دخل وديع غرفته وتمدد على سريره لينام، لكنه شعر بأن أحدًا جلس بجانبه على السرير. بدأت دقات قلب وديع تتسارع، أراد أن يلتفت ليرى من بجانبه لكنه كان خائفًا. تذكر المرأة العجوز ذات الوجه البشع التي رآها في غرفته. في النهاية، استدار وديع ليجد نفسه أمام العجوز بعينيها الشاحبتين ونظرتها المرعبة. صرخ صرخة قوية أيقظت الجميع في المنزل.جاء إليه والداه يتساءلان عما حدث. قال لهم إنه مجرد كابوس مرعب. نصحه والده بالوضوء والصلاة. فعل وديع ما نصحه به والده ومرت تلك الليلة بسلام.في الليلة التالية، بينما كان وديع يتقلب في فراشه، ظهرت له أشخاص في زاوية الغرفة على شكل ظلال غير واضحة المعالم. ارتعب وديع، ثم التفت ليجد المرأة العجوز مرة أخرى بجانب رجلين طويلين جدًا، يكاد رأس أحدهما يلامس سقف الغرفة. فقد وديع وعيه من شدة الرعب.في الصباح التالي، وجد نفسه ساقطًا قرب سريره. قرر وديع البحث عن حل. سأل والدته عن الشيخ الراقي، وأخذ رقم هاتفه. اتصل بالشيخ وأخبره بكل شيء. نصحه الشيخ بزيارة منزله. ذهب وديع إلى الشيخ الذي قام برقيته بالقرآن وأعطاه زيوتًا وماء الرقية.توالت زيارات وديع للشيخ حتى تحسنت حالته. أدرك وديع أخيرًا أن الفضول قد يقتل الإنسان ويدمر حياته، وتعلم الدرس جيدًا. يحذر الجميع من البحث في أمور الجن، فقد يكون في ذلك هلاكهم.