ليليث الاسطورة الحاضرة في كل العصور

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
ليليث الاسطورة الحاضرة في كل العصور

هناك شيطانة أنثى مجهولة تظهر دائمًا في رحلته، وكما كان هو إله الشمس، كانت هي إلهة القمر. يُرمز إليها دائمًا بالهلال، وسنتعرف معًا على مدى تأثير هذه الشيطانة أو إلهة القمر على جميع الأديان. لنستكشف الجذور التاريخية لهذه الشخصية.

عند العودة إلى القصص الشعبية والأساطير في مختلف الثقافات والدول، نجد أنها تتشابه في ذكر شيطانة أنثى تحمل حقدًا هائلًا على الذكور، سواء كانوا بالغين أو أطفالًا، وتسعى دائمًا إلى إغوائهم وقتلهم.

في مصر، نجد أسطورة “النداهة”، الجنية التي تغوي الفلاحين وتنادي عليهم بصوت ساحر مثير في الليل، وحين تنفرد بأحدهم، تلتهمه أو تصيبه بالجنون أو تغرقه في أعماق النيل.

في العراق وبعض قرى الأردن، نجد “السعلاة”، الجنية المغطاة بالشعر الأسود، التي تستطيع لفّ رأسها 360 درجة مثل البومة، تسكن الأماكن المهجورة، ولديها القدرة على التحول إلى امرأة فاتنة تغوي الرجال ثم تقتلهم، كما تختطف الأطفال وتأكلهم.

في اليمن وبعض دول الخليج العربي، تُعرف بـ”أم الصبيان” أو “أم الدويس”، التي تخطف الأطفال الذكور لتشرب دماءهم، وتغوي الرجال الكبار لتأكلهم.

في الفلكلور المغربي، تُعرف باسم “عائشة قنديشة”، الجنية التي تغوي الرجال لتلتهمهم أو تدفعهم إلى السقوط من المرتفعات.

في التراث الغربي، نجد أسطورة “السكوكس”، واسمها مشتق من الكلمة العربية “الثقوب”، والتي تعني ثقب أعناق الذكور وامتصاص دمائهم أو استنزاف طاقتهم عبر ممارسة الجنس معهم في الأحلام حتى الموت أو الجنون.

في بعض دول أوروبا، تُعرف بروح “البانشي”، المرأة النائحة أو “سيدة التلال”، وفي اسكتلندا تُسمى “الغاسلة”، حيث تُرى أحيانًا على ضفاف الأنهار في المساء وهي تمشط شعرها أو تغسل ملابس ملطخة بالدماء.

في المكسيك وأمريكا الوسطى، تُعرف باسم “لا يورونا”، الجنية النائحة التي تظهر قرب المسطحات المائية المهجورة.

في جامايكا وجزر البهاما ومنطقة الكاريبي، تُعرف بـ”سوكان”، الشيطانة التي تمتص دماء الذكور وتخطف الأطفال.

في فنزويلا، نجد “سايونا”، قاتلة الرجال التي تغويهم لجذبهم إلى الغابات والمناطق النائية وقتلهم.

في البرازيل والبرتغال، نجد “كوكا”، الشيطانة التي تخطف الأطفال من أمهاتهم وتقتلهم.

في بولندا والشعوب السلافية، نجد “روسالكا”، التي تغوي الشباب وتغرقهم في الأنهار والجداول المائية.

في اليابان، تُعرف بـ”أووم”، الشيطانة التي تخطف الأطفال وتقتلهم، وفي التراث الألباني، نجد “الاشتري”، التي تتحول أحيانًا وتمتص دماء الذكور والأطفال أثناء نومهم.

هذه الشخصية الشيطانية موجودة في جميع الثقافات بإصرار، مما يجعل التشابه بين هذه الشخصيات يتجاوز حدود الصدفة. فجميعها تشترك في صفات أساسية: كائن ليلي مرتبط بالجنس والإغواء، متعطش دائمًا لقتل الذكور من الرجال والأطفال.

يرجع أصل هذه الشخصيات إلى كيان واحد، تم ذكره في المصادر القديمة باسم “ليليث” أو “ليليتو”. أصل الاسم “ليليث” مشتق من اللغة السومرية، ويستند إلى كلمات مثل “ليل” بمعنى الليل، و”ليلتي” بمعنى الشهوة، و”ليلو” بمعنى الفسق.

ارتبطت “ليليث” بالليل والفسق والشهوة لأنها كائن ليلي يغوي الرجال بالرغبة الجنسية حتى تقتلهم. وتذهب بعض التفسيرات إلى أن أصل اسمها مرتبط بكلمة “لوكس” اللاتينية، التي تعني الضوء، أو “لوشس”، التي تعني الضيائي، والتي اشتُق منها اسم “لوسيفر”، الذي يعني “حامل الشعلة” أو “إله النار صاحب الضياء”، وهو أحد أشهر ألقاب الشيطان في الكتاب المقدس.

يرجح الباحثون أن اسم “ليليث” مرتبط بالنار والضوء لأنها كانت تُعتبر رفيقة حامل الشعلة وصاحب الضياء، وأنهما في الحقيقة زوجان: ليليث ولوسيفر.

للبحث عن ليليث أو معبودة الهلال في التاريخ والآثار، نحتاج إلى الرجوع إلى الوثائق والمخطوطات القديمة لفهم أبعاد شخصيتها والرموز المرتبطة بها. أول ذكر لليليث كان على قرص طيني يعود إلى حضارة سومر، منذ أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد.

النقش على القرص يشير إلى أن شيطانة تُدعى “ليليتو” كانت تسكن في شجرة صفصاف يحرسها تنين على ضفاف نهر دجلة. كانت “ليليتو” تمتلك القدرة على الطيران، وكانت تجلب المرض والموت للبشر، وتغوي الذكور وتخطف الأطفال.

عندما سمع الملك جلجامش عن شرور “ليليتو”، أخذ سيفه وقتل التنين واقتلع شجرة الصفصاف، مما دفع “ليليتو” إلى الفرار إلى البرية، لكن خطرها ظل قائمًا، واستمر حقدها على الذكور.

تذكر الأساطير البابلية أن “ليليتو” نشرت الفزع والرعب، وكانت تتسبب في إجهاض النساء الحوامل وتخنق الأطفال الرضع أثناء نومهم. ومن المثير أن الدراسات الطبية تشير إلى ظاهرة تُعرف باسم “متلازمة موت الرضع المفاجئ” (SIDS)، التي تعني وفاة الرضيع أثناء النوم دون سبب واضح، حتى بعد الفحوصات وتشريح الجثة.

لحماية الأطفال الذكور من “ليليتو”، كان السومريون والبابليون يضعون التعاويذ والتمائم ويرشّون الملح حول أسِرَّتهم، كما كانوا يُلبسون الرضع الذكور أقراطًا في آذانهم لتعتقد “ليليتو” أنهم إناث، فلا تقتلهم.

إذا ضحك الرضيع أثناء نومه، فقد كان يُعتقد أن “ليليتو” تحلق فوقه. وجدت إشارة أخرى إلى “ليليث” على لوحة من القرن السابع قبل الميلاد، عُثر عليها في منطقة أرسلان تاش بسوريا.

في الجزء السفلي من اللوحة، تظهر “ليليث” في هيئة ذئبة تلتهم أحد الأطفال، وتحمل كتابة تقول: “أيتها المحلقة في سماء الغرفة المظلمة، اعبريها لمرة واحدة، يا ليليث.” كاتب النقش كان يتضرع إلى “ليليث” حتى تمر بغرفته مرورًا عابرًا دون أن تؤذي طفله.

أما في التراث اليهودي يؤمن البعض بوجود ليليث بشكل مطلق، وقد ذُكرت في عدة مواضع من الكتب الدينية اليهودية. في مخطوطات قمران، التي تُعد أقدم نسخة من العهد القديم، يذكر سفر إشعياء ليليث صراحةً عند الحديث عن خراب مملكة أدوم في الأردن، حيث جاء فيه: “ستلتقي القطط البرية مع الضباع، وتنادي شياطين الماعز بعضها البعض، وهناك تستقر ليليث وتجد مكانًا للراحة.” في نسخ أخرى من الكتاب المقدس، استُخدمت أسماء بديلة مثل “وامه النائحة”، “شيطانة الليل”، أو “لميّه”، وهي مخلوقة نصفها بشري ونصفها أفعى تخطف الأطفال وتأكلهم. كذلك، نجد في مخطوطات قمران ترنيمة دينية لطرد الأرواح الشريرة تقول: “أنا الحكيم، أنشد جلال الرب لإرهاب كل أرواح الملائكة الساقطين وليليث، أولئك الذين يضلّون أفهام المؤمنين ويفسدون قلوبهم.”

أما في التلمود البابلي، فتُوصف ليليث بأنها شيطانة طويلة الشعر تستلقي على ضفاف البحيرات، مترصدةً تعساء الحظ الذين يقعون في قبضتها. كما يذكر التلمود أنها قد تقتل الذكور البالغين إن ناموا وحدهم في المنزل. في كتاب الزوهار، أحد أهم نصوص القبالة اليهودية، تُذكر ليليث على أنها زوجة كبير الشياطين “أسْماداي” أو “أوزمو”، الذي يسعى دائمًا للتفريق بين الأزواج.

ويمنحنا كتاب “أبجدية ابن سيره” تفاصيل أعمق عن شخصية ليليث، موضحًا سبب كرهها العميق للذكور وسعيها الدائم للانتقام منهم. وفقًا لهذا الكتاب، كانت ليليث الزوجة الأولى لآدم، خُلقت من الطين مثله، لكنها تمردت عليه وهربت إلى البحر الأحمر. فأرسل الإله ثلاثة ملائكة لإعادتها، لكنها رفضت، فخلق الله لآدم زوجة جديدة من ضلعه، لتكون أكثر طاعةً وولاءً له، وهي حواء. أما ليليث، فقد لُعنت وتحولت إلى شيطانة، وتزوجت من إبليس، متعهدةً بالانتقام من آدم وذريته، خاصةً الذكور.

يُقال إن ليليث تحوم فوق غرف الأطفال حديثي الولادة لمدة سبع ليالٍ، يكون فيها الرضيع معرضًا للخطر، خصوصًا الذكور. لهذا السبب، كانت بعض العائلات اليهودية تحتفل بالليلة الثامنة كإشارة لرحيلها وزوال الخطر، وهو ما يُعتقد أنه أصل تقليد “السبوع” في الثقافات العربية.

نرى في طقوس السبوع بعض العادات المتوارثة من الاعتقادات البابلية القديمة، مثل رش الملح، حيث كان السومريون والبابليون يؤمنون بأن الملح يطرد الشياطين. وقد ورث اليهود هذا الاعتقاد أثناء السبي البابلي، فكان السحرة يرسمون دائرة من الملح حولهم لحماية أنفسهم أثناء ممارسة الطقوس السحرية، وهي ما يُعرف بـ”الدائرة السحرية”. بحسب الكاتب اليهودي المتحول إلى المسيحية بول كريستيان، فإن الأسر اليهودية كانت تمارس الطقس ذاته مع الأطفال حديثي الولادة، حيث يُرسم حول سرير الطفل دائرة ملح وتُترك بجانبه سكين لإبعاد ليليث. وحتى اليوم، لا تزال بعض العائلات العربية والمصرية تمارس هذه العادة دون معرفة أصولها اليهودية.

تتضمن طقوس السبوع أيضًا تقديم الطعام، مثل الخبز والحبوب والفضة، للرضيع، وهي ممارسة تُشبه تقديم القرابين في العقائد الوثنية لاسترضاء الشياطين أو تجنب شرها. كما أن تعليق الحلقان للرضع الذكور كان وسيلة قديمة لخداع ليليث وجعلها تظن أنهم إناث، مما يقلل من احتمالية قتلهم، وهي عادة نجدها في نقوش الملوك البابليين، واستمرت في بعض الدول العربية مثل الجزائر، حيث كان يُطلق عليها “العياشة”، أي التي تساعد الطفل على البقاء حيًا.

في ختام طقوس السبوع، يُوضع الطفل على الأرض وتدور الأم حوله سبع مرات، في حركة ترمز إلى إبطال تأثير ليليث، التي يُعتقد أنها تحوم فوق الطفل لمدة سبع ليالٍ. من شدة إيمان اليهود بخطر ليليث، كانت بيوتهم في القرن السابع الميلادي تحتوي على “أوعية التمائم”، وهي أوعية خزفية مكتوب بداخلها تعاويذ لإبعادها، تُوضع في أركان المنزل وبجانب الأسرة. إحدى هذه الأوعية كُتب عليها: “يا ليليث، أيتها الساحرة والخاطفة، أقسمت عليك بقوة إبراهيم وسخاء يعقوب أن تبتعدي عن رشينو وزوجها يوناي. آمين، آمين، هللويا.”

بوجه عام، يعتقد الكثير من الفرق اليهودية والمسيحية أن ليليث لعبت دورًا كبيرًا في الصراع الأبدي بين البشر والشياطين، حتى أن بعضهم يظن أن الأفعى التي أغوت آدم وحواء لم تكن حقيقية، بل كانت تجسدًا لليليث، شريكة إبليس.

أما في الإسلام، فلا يوجد ذكر لزوجة سابقة لآدم، كما لا يُذكر شيطان معين باسم محدد. إلا أن بعض الفرضيات تقول إن الشيطان كائن مخنث قادر على التحول بين الذكر والأنثى. في كتب التراث الإسلامي، لا نجد ذكرًا لشيطانة بعينها، باستثناء كتاب “الرحمة في الطب والحكمة”، المنسوب إلى الإمام جلال الدين السيوطي، لكنه مشكوك في صحة نسبته إليه، نظرًا لاحتوائه على معلومات عن السحر والشياطين.يذكر هذا الكتاب رواية عن لقاء النبي سليمان بشيطانة مرعبة تُدعى “التابعة”، حيث قال لها: “أيتها اللعينة، لم أرَ أقوى منك بأسًا ولا أشرّ بطشًا، فاعلِميني باسمك وأفعالك.” فكان جوابها: “أنا الهمة بنت الهمة، كنيتي أم الصبيان، أطير وأسكن بين السماء والأرض.” وعند سؤاله عن ضحاياها، قالت: “أُسلّط على الرديء من بني آدم، من لم يكن معه آية من كتاب الله.” ثم تسترسل الرواية في ذكر وسائلها لإيذاء النساء وقتل الأجنة في أرحامهن

وتتشكل في صور وأشكال أخرى مثل الناقة أو الذئبة أو الأفعى أو اللبؤة، وسنجد هنا في هذا النص أنه يربط بين الشيطانة وعدة رموز مثل الذئبة، وهذا نفس ما وجدناه على نقش أرسلان تاش الذي يسبق كتاب الرحمة بعشرين قرن، حيث يصور ليليث على أنها ذئبة تأكل الأطفال. وربما هذا هو السبب في اعتقاد بعض القبائل الوثنية القديمة التي كانت تمارس السحر أن الذئبة قد تكون تجسدًا لساحرة أو شيطانة، مثل أساطير قبائل النافاجو في الهنود الحمر، وأساطير الثلاثين في أوروبا، وشعب الأينو في اليابان.النص أيضًا ذكر الناقة التي ستكون من رموز عبادة الشيطانة، معبودة الهلال في ثقافات مختلفة. أما الأفعى واللبؤة، فهما أبرز وأشهر رموز عبادة ليليث عبر الحضارات، كما سنرى معًا. وارتباط ليليث بعبادة القمر عبر اللبؤة يجعلنا نلاحظ ارتباط معبود الشمس بالأسد، مثل فانيس الذي ذكرناه في الجزء الأول، إله الشمس اليوناني حامل الشعلة، والذي كان يُرمز له أحيانًا بالأسد، وأحيانًا كان يُرسم بوجه أسد. نرجال، إله غروب الشمس، كان يُرسم أيضًا بوجه أسد، وكذلك بازوزو، معبود الرياح وإله الطاعون، كان يُرسم أحيانًا بوجه أسد.

أريد أن أخبركم أن الرموز المتعلقة بالآلهة والشياطين القديمة مهمة جدًا، وستكشف لنا الكثير من الأسرار التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا. سنراها في الحلقات القادمة. من الرموز المشتركة أيضًا بين ليليث ولوسيفر رمز النجم، والذي يشير إلى كوكب الزهرة “فينوس” أو “هليل” بالعبرية، فهو النجم الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة قبل الشروق، ولهذا كان يُطلق عليه منذ القدم وحتى اليوم “نجم الصبح المنير”، وهو أحد أشهر ألقاب لوسيفر في الكتاب المقدس، كما ورد في سفر إشعياء: “كيف سقطت من السماء يا نجم الصبح المنير! كيف طُرحت إلى الأرض يا قاهر الأمم!”.الكتاب المقدس أيضًا في نصوص أخرى يخبرنا أن اليهود مارسوا عبادة نجم الصبح كرمز للمعبود المقرن “بعل ملوك”. وسنجد في سفر أعمال الرسل أنه يُطلق على النجم اسم “رمفان”، أو في الترجمات الأدق للكتاب المقدس يُدعى “ريفان”. وعند البحث في أديان وأساطير المنطقة في تلك الفترة، لن نجد أي معنى لاسم “ريفان”، فلا يوجد أي معبود بهذا الاسم، مما دفع بعض الباحثين لمحاولة ربط الاسم “ريفان” باسم “كيوان”، والذي يعني “كوكب زحل” بالفارسية، لكن هذا الربط يبدو غير دقيق، فهناك فرق كبير في النطق والكتابة بين كيوان وريفان.

لكن المثير للدهشة أن الاسم قريب جدًا من اسم إله هندوسي مرتبط بنجم الصبح يُدعى “رافان”، ويعني “زئير الأسد”. وهو إله ناري لقبه “كبير الشياطين” وإله الحرب في الهندوسية، ويُصوَّر دائمًا في التماثيل والأعمال الفنية كإله متعدد الأسماء والشخصيات. وهذا يوضح لنا مدى انتشار عبادة نجم الصبح في حضارات العالم القديم، في ثقافات مختلفة، وقبل ظهور اليهودية. وقد رُمز إليه أحيانًا بنجمة خماسية أو سداسية أو ثمانية الأضلاع.

عند الاطلاع على كتب السحر، سواء سحر “الويكا” أو “الشامان” أو “النيكروميكون”، سنجد دائمًا رمز النجم محفورًا ومرفقًا بطلاسم وتعويذات تُستخدم كوسيلة للتواصل مع العالم السفلي واستحضار الشياطين. وعبر العصور، مر هذا الرمز بمنعطفات عديدة اختلطت فيها الديانة بالسحر والشعوذة، وتعبد فيها الإله المقرن لفترات طويلة من التاريخ. وفي بعض العصور، أصبح نجم الصبح رمزًا للدولة الطاغية، ووُضع على أعلامها، كما حدث مع رمز الإله “مولوك”، الذي كان يأخذ قرابين الأطفال، وكذلك رمز “رافان”، كبير الشياطين وإله الحرب الهندوسي، المتعدد الأسماء والشخصيات.

والآن، نعود إلى موضوعنا الأساسي. بعد دراستنا للميثولوجيا الدينية والكتب المقدسة ووثائق السحر الأسود القديمة، تمكنا من استخلاص أبرز ملامح عبادة الشيطانة ليليث، وتعرفنا عليها ككائن ليلي مرتبط بالجنس والإغواء، تعيش في الأشجار، وتحب قرابين الأطفال مثل المعبود المقرن. وأبرز الرموز المرتبطة بعبادتها هي: الهلال، اللبؤة، الشجرة، الأفعى، شعلة النار، البومة، ونجم الصبح.

يجب أن نحفظ هذه الرموز جيدًا حتى نتمكن من تتبعها عبر الحضارات، ونرى كيف تحولت من شيطانة مذكورة في ألواح سومر وكتب السحر الأسود، إلى إلهة تُعبد من دون الله حتى يومنا هذا، من قبل طوائف عددها أكبر مما قد تتخيلون.

في القرآن، وردت كلمة “طاغوت” في مواضع عدة، أحيانًا بصيغة المفرد المذكر، كما في سورة النحل”وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ”.

وأحيانًا بصيغة الجمع، كما في سورة البقرة:”وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.

لكن هناك آية وحيدة في القرآن تذكر الطاغوت بصيغة المؤنث:”وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ” (الزمر: 17).بعض المفسرين يقولون إن “الطاغوت” هنا تعني الأوثان، ولكن هذا التفسير يبدو غير دقيق، لأن كلمة “الأوثان” وردت بشكل مباشر وصريح في آيات أخرى، مثل:”فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ” (الحج: 30)، و**”قُلْ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا”** (العنكبوت: 17).لو كان المقصود هنا الأوثان، لذُكرت بوضوح كما في الآيات الأخرى. وهذا يعني أن كلمة “الطاغوت” المؤنثة في هذه الآية لها دلالة مختلفة. فهل يمكن أن تشير الآية إلى المعبودة الأنثى التي عُبدت في جميع حضارات العالم القديم، ولا تزال تُعبد حتى اليوم؟ هذا ما سنكتشفه معًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع قد تهمك

arالعربية