جاري التحميل الآن

زنقل الطبال

بقلم : عبده علي الفهد

بزغ القمر فتمكن من النظر، رآه نظيف كلما خطى فيه خطوة صر. وكأنه كُنس لتوه بمكانس بشر. جدي جدي لن ندعك تنام قبل أن تروي لنا رواية؟ سمعًا وطاعة يا أحفادي. أحضروا قهوتي. حمد فأثنى وعلى النبي صلى ثم قال: سأروي لكم رواية من عهد التتر. رواية [[زنقل الطبال]]. كان الخير قبلته والعدل وجهته. ساندته الأشباح. وقارنته الأرواح. وبعد أن التف الفرسان حوله أظهر سطوته وأقام مملكته. إنه زنقل أصغر إخوته. لم يكن ليله يدرك نهاره. توفى والده وهو في عز شبابه. سأل أمه: هل خلف أبي ما نستعين به على الزمان؟ تفضل هذا مفتاح المخزان. دخل فعثر على طبل وإلى جواره لفة حبل. حمله ومشى أرض تغدي وأرض تبدي. انهد حيله تعثرت الأقدام وداهمه الظلام. فانحشر في جذع شجرة كي ينام. ومع العِشاء برق بارق. تلفت حوله فلمح كهف تحت شاهق. صعد إليه بعجل دخل ملهوف فشمم صنف غير مألوف. بزغ القمر فتمكن من النظر، رآه نظيف كلما خطى فيه خطوة صر. وكأنه كُنس لتوه بمكانس بشر. وضع الطبل في قعره، ثم صعد أخدود في تجويفه. فسمع صرير فتح باب، فهبط إثنان شباب. أقزام بيض الأجسام. حفاة عراة شعرهما ينسدل إلى الأقدام. قال أحدهم: أين وجهتنا؟ رد: سنصطاد هذا المساء نهشم العظم ونمتص الدماء. ثم انبطحا على وجهيهما فتمرغا بالتراب، فجأة؛ صارا وحشين من وحوش الغاب. أسد رابض ونمر نافض، ثم انطلقا مسرعين، في اتجاهين مختلفين. عادا بعد فترة، يجران جثتين: رجل وامرأة، وضعاهما على الباب. وكررا التمرغ بالتراب، فعادا كما كانا شابين مجدوعي الأنوف. أقشعر بدن زنقل، فثنى قدماه وشدها بالحبل، فسقط بعض الحصى على الطبل. فأحدثت صوت وقرقعة مرتفعة. أعاد صداها الكهف وكرر. فاختفيا الاثنان بلمح البصر. فسمع زنين وأنين من الاثنين، اللذين ألقى بهما الوحشان. فتبادلا الحديث فيما بينهما: من أنت؟ أين نحن؟ فقاطعهما زنقل وقال: ادخلا الكهف مسرعين قبل أن يعود الوحشان؟ من أنت أيها المتكلم الخفي؟ أنا عابر سبيل لا تخافا مني. دخلا الكهف. فنزل إليهما مسرعًا. كانا ممزقي الثياب والدماء تقطر من مغارز الأنياب. سأل الرجل بعد أن أفاق عن هويته؟ رد: أنا مرزاب من ديرة مرقاب. لا تلمس الطبل وأخبرني هل تعرف هذا الكهف من قبل؟ رد: لم يتسنى لي معرفته. ألست أنت ساكنه؟ أفاقت المرأة مع الأنين تتأجح. فقالت: هل من رشفة ماء؟ ريقي جفح؟ أعطاها ما تبقى في القربة، وبعد أن أفرغتها سألها كسابقها؟ ردت: أنا جواهر من عشيرة عكابر. لم يسبق ورأيت هذا المكان لا حاضر ولا غابر. زنقل: أحضركِ إلى هنا نمر يحملك بين فكيه ألم تريه؟ ردت: كل ما أعيه أني كنت واقفة على حافة بير الماء بعد العِشاء منفردة، ألقيت بدلوي فسقطت خلفه. فتحت عيناي هذه اللحظة، وجدت نفسي جوار هذا الغريب في حال مريب. فناديتنا: ادخلوا، فدخلنا، هذا كل ما لدينا. إن كان لديك ما تقوله أخبرنا؟ وجه الكلام لمرزاب: أنت أيضًا أتى بك الأسد يحملك، وإلى جانبها وضعك. فكيف أمسك بك؟ رد: بعد المغرب ذهبت للبحث عن الإبل الضالة حسب طلب شيخ العشيرة. فجأة صهل الجواد وألقاني من على ظهره، فلم أستيقظ إلا جوار هذه المرأة. لم أرَ نمرًا ولا الأسد الذي تتحدث عنه. والآن، إن كنت جنيًا من الجان، وعلينا جان، أطلق لنا العنان وامنحنا الأمان؟ فنحن من بني الإنسان. أنا وحيد المنشأ، أبرّ أمي المقعدة منذ عام مضى، واقتاد والدي بعد أن بُلي بالعمى. فانظر ماذا ترى؟ قالت جواهر: أنا أيضًا حالي خائب، أحاطت بنا النوائب. ابن عمي لي خاطب، ووالدي من الثأر هارب. وحيدة طريدة، ماتت أمي وجميع الإخوة بمرض الحصبة. بعد أن سمع زنقل القول اشتد به الهول، فحكى لهم بطيب خاطر. فقال: أنا عابر من دياري مهاجر. اسمي زنقل من ديرة بني عطى. هل تعرفونها أو أحد لكم عنها حكى؟ كلا لم نسمع ولم نرَ. دعونا ننام وغدًا نكمل ما تبقى. صعد ونام بعد عناء. أيقظته مطاردة الفئران، فوجد نفسه في مكان غير المكان. في جذع الشجرة الأولى وكأنه من حلمه صحا. وقربته فارغة من الماء، وكل ما حوله سهل متسع، لا تل فيه ولا مرتفع. ومشى غريب، تراوده الوساوس؛ وسواس يسأل ووسواس يجيب! أين الكهف؟ أين الأسد؟ أين النمر العجيب؟ أين ذهبت جواهر ومرزاب؟ لم يعثر على جواب وكأن ما حدث حلم أو سحاب. صادفه صياد، سأله ماء وزاد؟ نال المراد ثم سأله: هل تسمع بديرة المرقاب أو عكابر؟ رد: كلا. استمر في نفس المسار، انقضى نصف نهار. دخل مغارة على السبيل مبنية من الحجارة، قضى فيها بقية نهاره كي يبيت فيها ليله. ومع ضوء الشفق وصل ثلاثة سرق، مع عروس مشروعة، خمارها منزوع. دخلوا وبدأوا بتقاسم الفلوس. اختلفوا لمن تكن العروس. فأشهر كل واحد سيفه. انتهز زنقل الفرصة، قرع الطبل بكل ما أوتي من قوة. ففروا منكبين على وجوههم. همّت العروس اللحاق بهم. فأمسك طرف ثوبها وأحكم إغلاق فمها، ثم قال: لا تخافي أنا بشر، سوف أنجيك من التتر. بقيت صامتة بعد أن اطمأنت. اجتمع الثلاثة، وقرروا العودة. تقدم أشدهم بسالة وبقي الاثنان في انتظاره. وقف باب المغارة يلقي نظرة. فقذفه زنقل بحجر قضّمه ساقه. راح يئن من الجراح نحو رفاقه. أتى الثاني وغرّد بيده سيف مهند. فكبّله بالحبل وأحكم شده، وقطع بسيفه يده، وعلّقها في عنقه، وإليهم أطلق سراحه. رأى الثالث ما حل برفاقه، ففضل النجاة بجلده قبل أن تُقطع يده أو رجله. لم يعد لهم من قرار، فولّوا الأدبار ولاذوا بالفرار. جمع زنقل الفلوس، ثم التفت نحو العروس؟ فقالت: أنا ردهى ابنة جابر شيخ بني عامر. ليلة عرسي؛ هاجم ديرتنا الغوغاء، قتلوا الرجال والأرحام، وأشعلوا النار في الخيام. قُتل من قُتل وفر من فر. فتقاسموا الغنائم، والسبايا فكنت من نصيب هؤلاء. أمسكوا بي، واقتادوني إلى هنا. هل تعرفين الطريق إلى المضارب؟ نعم، لي بها إمارة فهي لا تبعد كثيرًا عن هذه المغارة. أتيتها للصيد ذات مرة. نامي مستقر بالك سأصلك بأهلك إذ حلّ عليك صباحك. من أنت في الأول والآخر؟إنا بشر لن يلحقك مني آي شر . باتت القبيلة في استنفار ، انتشر الفرسان في كل مسار ، و مع طلوع النهار كانوا قد يئسوا فناموا . وصل زنقل الديرة في الضحى و خلفه ردهى . اجتمع رجال ونساء امام خيمتها ، الكل يريد ان يعرف ماذا جرى . واين باتت ردهى . عن الكلام زنقل صام ، تولت ردهى الشرح والايضاح التام . اركبو زنقل على جمل . و اوضح للناس ما حصل . اقام زنقل ضيف مبجل ، البسوه ازهى الحلل . همست ردهى في اذن امها ؛ ان تحضر زنقل الى وكرها ، فحضر . سألته ردهى : هل لك حليلة او تهوى اصيلة ؟ : لا ذا ولا ذك ماذا دهاك؟ : وقع الفؤاد بهواك لن يرض بسواك . : ألا ترين اني طبال وما تطلبه محال ؟ : كلا ! أراك فارس متمكن نظيف المعدن اعف من عفيف واشرف من شريف . رد : لي هدف من رحلتي منشود قد اعود وقد لا اعود . : سانتظرك ¡ لن يمسني غيرك . : لكن بعريسك ماذا ستفعلينه؟ : ساشترط عليه شرط سيهلك دونه . خُذ ! إحتفظ بهذا المشط في الكمر ، متى ما انكسر إعلم اني في خطر . ودع زنقل ردهى وداع حار . التقطت مسامع ام ردهى مادار . فنقلت الى جابر الاخبار . طلع النهار . صال ابن خالها وجال طالبآ اكمال الاحتفال . حضرت ردهى المقام . فقالت : ما حل بي لن يمر مرور الكرام . لن اكن لإبن خالي عروس! قبل ان يحصد الرؤس . عرضوا على زنقل قبل ان يرحل المال والحلال فابى اشد الإبا ورحل مثلما اتى . واصل مسيره ، واضعآ عكابر ومرقاب نصب عينه . دخل ديار عامرة عليها النعمة ظاهرة اهلها كثير وخيرها وفير . صغيرهم فرح وكبيرهم مرح . مشى بين الخيام بإسترحام . استوقفه شاب شاركه الإبتسام وحوله حام ثم قال: إتبعني الى المقام . اوصله الى شيخ العشيرة ، القى السلام فرد التحية . فامر الخادم بالذبح واكرام الضيف القادم . اخبره ان مهنته طبال . رد: جئت في ميعاد راج وإنٌا اليك نحتاج . نحن نتحضر لإقامة عُرس لم يسبق وان سمع به بشر في من تقدم او تآخر . بقي عدة ايام في نعيم تام . صادف عازف رباب على الدرب استقام . فقال: اصحبني بطبلك الى المرعى ، هناك يحلُ الطرب والغناء . وصلا الخلاء وبصوت الرباب اشدى ثم نظر نحوه وقال: لماذا طبلك لم يشارك ربابتي اللحن يافتى ؟ احتار فحكى له قصته وان الطبل ليس مهنته . : لاتقلق سآتي بإبن خالي فهو للطبل عاشق ، و للرباب مرافق ، و كلما عليك ، ان تقف جوارة ماسك لطارة. وبعد أن تتدرب تكن الطبال المرتقب . اُقيم الاحتفال، و تيسر الحال ، و كان ذلك كما قال . سأله في احد الليال ; بما انك رحال دابر غابر ، هل سمعت بالمرقاب او عكابر؟ رد: نعم هي على مسافة طير طائر . : هل لك ان تدِلني على السبيل إليها تُحمد ؟ فلي فيها مراد ومقصد . : سنجوب الديار ولامصار ، و نصل إليها ذات نهار . اقتنع بما قال فعمل الى جانبه طبال جوال فجنى الاموال . تنقلا من ديرة الى ديرة ، و من عشيرة الى عشيرة . اطلا ليلآ على ديرة المرقاب ، فنبحة عليهما الكلاب ، فتلقاهما أُناس كأنهم ذياب . وبعد ان وقفوا على فحواهما ، اقتادوهما الى خيمة . سألوهما حاجتهما فقالا : ما احوجنا الى الطعام. عاد احدهم حاملآ حِلة وجذوة نفخ الموقد باب الخيمة . أكلا الخبز وشربا القهوة . سمعا انين التفتا نحوة! فإذا برجل موثق في عمود الخيمة حالته رمٍة . سألا القهوجي : هل هذا اسير نزال ؟ ام عاشق غزال؟ او سارق حلال؟ ام رهينة مال؟ : ليس له مماذكرتم مآل إلا انه كما ترون فاقد للصواب . إسمه مرزاب . ذات ليلة بعثه شيخ القبيلة يبحث عن إبله . بعد يومان وجد فاقد لعقله . وهذا هو حاله . قال زنقل في نفسه: مرزاب ! هذا هو من اجتزت من اجله الصعاب . انصرف القهوجي وبقي مع صاحبه يتبادلا السمر حتى بزغ القمر . نام صاحب الرباب فاقترب زنقل من مرزاب . : خُذ كُل يامرزاب انا زنقل صاحب الطبل . رد: زنقل زنقل بني عطى انت من اسقى جواهر الماء؟ ; نعم يامرزاب هو انا . اين امك المقعدة واباك الاعمى؟ رد: جميعهم ماتو وانا كماترى ، فُك وثاقي يازنقل اخرجني . كل من حولي هنا لن يصدقوك وربما قتلوك . الكل بجناني جازمين ومن شفائي قانطين . : لكن اين سنذهب يامرزاب فانا غريب ؟ : سنذهب تحت ظلام الليل بسكون ونستخرج كنز والدي المدفون من قعر احد الاجداث المتناثر ثم نذهب للبحث عن جواهر . كان لكلامه عليه بالغ التاثير ، فاستجاب له دون تاخير . همم بترك رفيقه نايم ، خشيً لوم اللائم . ايقظه بعد ان فك وثاق مرزاب . تخطوا الدور فوصلوا الى القبر المهجور . رفع مرزاب الاحجار والتراب . ظهر صندوق انتشله وعلى حافة القبر وضعه . فتحه فإذ به مليئ بحبات الذهب . انتابتهم الدهشة والعجب . وضعوا الذهب في صرات توزعوه فحملوه ضمن سائر المتاعات . حثوا السير فتخطوا حدود الديرة الى ابعد مسيرة . قابلهم غلام كان عجول يجر خلفه ثلاثة خيول . : أتبيعنا ؟ قد انتفخت اقدامنا. رد; على الرحب والسعة اقطع ولكن مامن احد بوسعه ان يدفع؟ : سَم بكم ؟ رد: عشرمجيدات جياد لكل جواد . :نريد ان نعتليها ربما يكن هنالك عيب فيها . :إن كنتم فرسان مدربة اعطيكم هذه السيوف المهندة. اعطوه الذهب الذي طلب ، فاعطاهم الخيول مع السلب . وكانة حالته عجب ! ثلاث مرات شرب وعلى ربوة انتصب . غادروا المكان. فأحاطتهم الفرسان . : سرقتم الجياد ايها الأوغاد؟ : كلا نحن اشترينا من غلام لتونا هو قائم على الربوة خلفناء . ذهب بعض الفرسان مسرعين ، فاحضروه في الحين . عثروا على الثمن بحوزته . وجدوا الثمن مريع ، فتشاورا ثم قالوا : قد اجزنا المبيع . سنعود بالسارق الى الديرة لنرى ما يكون مصيره . عندها اطلقوا العنان ومشوا بأمان . صاروا ثلاثة بعد ان كانوا إثنان . اضحوا ممتطين مستلبين وقد كانوا راجلين مسربلين . ارتقوا الى مستوى الاجاويد فالقوا بالرباب في اخدود من الاخاديد . جمعوا الاعشاب من الشعاب السفنة ، فطبوا بها اصحاب العلل المزمنة . كانوا ظاهرين غير مستترين فهم يعالجون المعسرين . كان مرزاب هو طبيب الاعشاب . وصاحب الرباب هو من يفتح الكتاب أما زنقل فمكتشف العلل . فصارة لهم حكاية ورواية. اضحت علومهم تسبق قدومهم . وصلوا ديرة عكابر استقبلتهم الاكابر . : سالهم زنقل عن جواهر ؟ : جواهر ! هل انت ساحر ؟ من اين تعرفها؟ : اين هي آتوني بخبرها ؟ بقو مذهولين الى وجهه ناظرين فقال احدهم: حالتها سر من الاسرار فقد ذهبت الى احد الابار في آخر النهار ادلت بدلوها فسقطت خلفه واستقرة في قعره انتشلوها من البير الصباح بقت جسد بلاروح عدى انفاسها تفوح . طال الامد وحالها لم يتجدد . طبوها الاطباء وتفحصها الحكماء بلا جدوى فهاهي كما ترى . : لكن انا اختلف عن باقي الاطباء وسائر الحكماء افسحو لي المجال هذا المساء؟ ردوا: الامر يحتاج الى تدبيرة سنرى ما يقوله شيخ العشيرة . في المساء عاد احد الرجال فقال: شيخنا يطلب حضورك في الحال . لبى زنقل الطلب بإستعجال . مثل بين يديه . فعبس وجهه وأحمرة عيناه . هل ارسلك والد جواهر بعد ان هرب ونحن نحث عليه الطلب . هيا دلنا على مخبئه فقد دنى آجله ؟ : لاصلة لي به إنما مرادي علاج إبنته . : لك ماطلبت و إن اخفقت لن يغادر جسدك الديرة إلا ملفوف في حصيرة . خذوه اليها في خدرها وابقوه تحت البصر : تفضل هذه هي تعامل معها بحذر . : وجدها مستلقية في عتمة قرع الطبل قرعتين ففزعة ثم باغتها بالنداء ياجواهر مرتين . : انتفضة واستوت جالسة فقالت: رنة طبل معروفة ونغمة صوت مألوفة وإني بذلك ملهوفة . رد: انت من افترسها النمر ؟ ردت : مرحبآ بمن اتى هل انت زنقل بني عطى . : نعم اناء عنكم سألت غيم السماء وسحقت غبار الماء قرأة الكف والمندل عللي ارى مابكم حل . فجهدي ماكل وصبري ما مل . وهاهو مرزاب خلصته من العذاب اتذكرينه؟ : نعم جمعناء الهم والغم وشمًلنا في الكهف التم . دنا زنقل من اذنها وهمس لازالو يبحثون عن اباك ليل نهار مجدين في طلب الثار . :هل تعلمين قراره ؟ نلحق به فنشد آزره. ردت : فيما بعد نتناقش اشعر بجوع شديد وعطش آتني بما أسد به رمقي واروي ظمائي. سمع الحراس الحوار فنقلوا الى شيخ القبيلة الاخبار . : لقد فك سرها بإحكام فوقفت على الاقدام وطلبت الماء والطعام . قال:اعطوها الاكل والشراب والبسوها جديد الثياب . بعد ان استيقظة من سباتها عادة الى سابق عهدها جوهرة من الجواهر تمشي حوامة دوامة كانها عوامة ليس لها في الارض إقامة . اوصلوها الى الشيخ على عجل والى جانبها طبيبها زنقل . قال الشيخ: إعلمي ياجواهر اني بقيت في شأنك حائر . اتيتك بالاطباء والحكماء على جناح طائر . وعلى يد هذا الطبيب اتت البشائر وبعد ان صار ماصار وبسببك تولد الثأر.فكل فارس طلب زواجك،فطغى عليك عنادك،تعلقتِ بحبال ابن عمك سرمد،وقد رآت كيف تخلى عنك وشرد،بعد ان أقدم اباك على قتل سرًاج الذي طلبك للزواج.الان اعرض عليك الاقتران وترك الاوهام والجنان.تكوني حليلتي و ربت بيتي.ردت:هذا لن يكن الا بعد ان تكف عن ابي طلب الثار وتمكنه من استقبال الضيف واشعال النار.والآن ءإذن لي بالذهاب للبحث عن ابي.:لك ذلك،خذي مابدالك من زاد وراحلة،فمعظم البلاد قاحلة.:انطلة الحيلة على شيخ القبيلة.فجأة وصل مرسال من شيخ عشيرة مجاورة.قال:ابنت الشيخ اصيبت بالعمى وقد احصى الحكماء والاطباء بلا جدوى.وقد وهب نصف ملكه لمن يطُب إبنته.فبلغه تواجدكم فارسل بإحضاركم.وقع الاختيار على مرزاب فهو طبيب الاعشاب.قالت جواهر:سَنمر من الديرة ونبقي مرزاب في العشيرة ومتى ما اتم اقتفانا بالمسيرة.عرج مرزاب في طريقه على ضيعة.فاخذ عدة أعشاب سامة.ثم جمعها وسحقها.وصل وقت الظهيرة،استقبله شيخ العشيرة،اوصله اليها،وجد عيناها مبيضة جفونها متقيحة منتفخة.فاخرج ماجمع من اعشاب وضمد عينيها.فحست بالالتهاب.فحذر وانذر من الاقتراب او فك العصاب.قبل مضي يوم كامل مكمل.ثم انصرف على عجل لاحقآ جواهر وزنقل.قص عليهم القصه فعجبوا مماصنعه،فقالوا:قضيت على البصر والبصيرة.باتوا ليلهم قُرب عين ماء.بينما هم نيام،الخيل صهل،لمحت جواهر فارس يتجلجل واضعآ سيفه على عنق زنقل.انقضت عليه مسرعة غارزة خنجرها في ظهره.فقالت:انا جواهر اغدر من غادر.من انت ايها الماكر؟إنزع سيفك قبل ان انتزع روحك.افلت النصل فصاح:جواهر انا اباك صابر.انتبذاء فتعاتبا عم صار وجرى.في هذه الاثنى زنقل صحى.لم تصدق عيناه ماترى.امر عجيب جواهر تقف تتبادل الهمس مع غريب.شك بمرزاب فعثر عليه مضطجع على التراب.جوار صاحب الرباب.تصنع المنام فنام نوم الذئاب.(مفتح عين ومغمض عين)فإذ بهم اشعلوا النار في الحطب.ايقض مرزاب وصاحب الرباب،انتفضوا قيام،فقال:اترون ما آرى خلف الإكام؟:دون شك متيمان يتبادلان العشق و الغرام.لكن اين جواهر؟هل كادة ففجرة؟;طوقوهم على عجل فوجدوا الدموع تنهمر من المقل.:لاتسيئو الظن بي انما هو ابي.غرز الجميع السيوف على الرمال وتعانقوا عناق الابطال.وبقوا عشر ليال في سهر واحتفال يصيدون ويشوون.شدوا الرحال عائدين،صائلين جائلين.قال مرزاب:اوشكنا على الإقتراب من ديرة الفتاة التي وضعت على عينيها الاعشاب.وارى انه من الصواب توخي الحذر فربما يكن قد حل بها مصاب.صادفوا احد الرُعاة،سألوه عن احوال الفتاة؟رد:كانت عمياء فمر حكيم من الحكماء،عالجها بلمح البصر فعاد اليها النظر.وهم يبحثون عنه كي يعطوه آجره.:قهقه مرزاب وقال:آتاني رزقي.أتعرفون كم هو أجري؟نصف مُلك ابيها.إصحبوني كي التقي بها،فإن ابوا دفع إجرتي اعينوني على أخذها.سبق الراعي بالأخبار الى الديار،فوصلوا وهم لهم بالانتظار.شيخ العشيرة واهل الديرة،كبار وصغار.رحبت الفتاة بمرزاب ترحيب حار،وقد اضحت جفونها بلا رموش وحواجبها من دون شعار.قالت:زلني الالتهاب وزلزل.رُفعت الضمادة ووضع محلها عسل،فات اسبوع جفت القروح وتقرنة ثم انقشعة فعُدت مبصرة،إلا إن رموشي وحواجبي كماترى انبرآة.حلوا ثلاثة ايام في أكل ومدام،ورابع الايام،جمع اباها الحلال وشطرة شطرين،وقال:هذا كل مالدي من مال،إختار لك اليمين او الشمال.اختار شطر منها فأقتادوه،عشرة إبل وعشرون خيل ومائة شاة.رحلوا بقافلة كبيرة من فلاة الى فلاة،يذبحوان ويقدحوان يسرحوان ويمرحوان.في احد الايام.انهمرة عليهم السهام من خلف الإكام،برز امامهم فارس استقام.فقال:ليس لكم دابر او عابر إلابتسليم صابر؟شيخ عشيرة عكابر يطلب رأسه ورآس جواهر.نظر زنقل الى من حوله،طالب المشورة.ثم قال:ابلغ الشيخ امتثالنا لأمرة وإعطائنا مُهلة.سنآتيه الى مقامه،ونعطيه مرامه.ليس لنا قُدرة على عناده.انشرح الشيخ واستبشر بماسمعه من خبر.فوضع حول القافلة طوق محكم من الفرسان على القمم،فقد رآى فيها مكسب ومغنم.أحلك الظلام،اناخوا الإبل واحاطوا الشاة بمن سبق وان استأجروهم من الرُعاة.اخفوا السيوف ومشوا على ظهر الخيول،اظهروا الخنوع ليس لهم رأس مرفوع.خرج اليهم شيخ العشيرة سنان،ليس جواره سوى بعض الفرسان.اعطى زنقل الإشارة،فاشهروا السيوف البتارة،قضوا على الشيخ وكل من كان جواره.سمحوا لاحدهم بالهروب نحو القافلة.فاخبرهم بالواقعة فشاهدوا النيران في الخيام مشتعلة.تركوا ماكانوا عليه من حصار عائدين نحو الديار.خالفوهم المسار،وعن القافلة كسروا الحصار.مع طلوع النهار واصلوا بقافلتهم قطع القفار.في نهاية الوادي اقتفى أثرهم الاعادي.انقسموا نصفين،فوضعوا لهم كمينين على الطريق،في اول وآخر المضيق.امطروهم سهام فسقط المقدام وفر الهُمام.ظهر في المقدمة النمر،وفي المؤخرة الاسد،بددوهم بدد لم يذروا منهم احد،نهشتهم المخالب ومزيقتهم الانياب،فلم يعثر منهم عدى الثياب.فأقاموا على الاطلال عدة ليال بعد ان قُتل من قُتل وفر من فر من الرجال.وصلوا ديرة مرقاب،فاستقبلوهم بالتحية والترحاب.فأقاموا ضيوف مرفوعي الانوف.قال زنقل:يامرزاب مقامك ببلدك طاب،إبن دارك ولاتقطع عنا اخبارك.رد:يازَنقل صار داري خراب،وهنا ذقت اصناف العذاب.لن اقيم ابعد من صوتك،ستلاحق قدمي قدمك وتجاور داري دارك.ستراني صداد رداد للرؤس حصاد،لن اكن لأمرك راد.ألست من اعاد اليً الرشاد؟عندها حمد زنقل المولى وقال:إذآ وجهتنا ديرتي بني عطى.مضت الايام والليال وهم في ترحال.ازداد إعجاب زنقل بالطبل اكثر منذي قبل.اخذ ينظر اليه،فشاهد صورة النمر والاسد عليه.فلفه بعمامة الراس،واخفاه عن اعين الناس.وصل زنقل الديرة وجد امه عليلة،في ايامها الاخيرة.تقوم على خدمتها اخته الصغيرة.بقيت اخوته منتشرين في الغربة.جثى على امه واجهش بالبكاء،فاسندتها شذاب الى القفاء.لمسته في الجبين،انخفض لديها الانين.:زنقل عدت من السالمين.انتظرتك سنيين.كم تاقة عينآي لرؤيتك.حتى ابيضت.قبل ان تنال ماتمنت.:امعن زنقل فيها النظر،أنهمرة دموعه كقطر المطر.فقال:عدت غانم من الشر سالم،عدت بمال ونوق وفرسان سبوق.اخبريني يا اماه عن الطبل وما حواه ماهو فحواه؟ إذا لم يكن أبي طبّال فلماذا اقتناه؟
تشرنقت فطلبت شربة، وبعد أن زالت عنها الغصّة حكت له القصة.
فقالت: تردى ماعز، علِق على شجرة شوحط، فلا صعد ولا على الأرض حط.
حضر بعض الرعاة فشدوا أباك بالحبال، أدلوه وأنزلوه إنزال، فخلص الماعز في الحال.
همّوا برفعه، انقطع الحبل، فتسلق نحو كهف، وجد بداخله طبل.
بقي فيه حتى أحضروا الحبال، فحمله على ظهره أثناء عملية الانتشال.
استغرب الجميع لأمره ومكان تموضعه وشدة صوته.
البعض قال: من مقتنيات الجان، وقال آخر: من عهد سليمان، ومنهم من قال: هو من زمن الطوفان.
وضعه المرحوم في المخزان، ومن يومها اعتلت صحته وذهب عنه عقله، وبقي على حاله حتى وافاه أجله.
هذا كل ما أعرفه. هل ما زال بحوزتك؟ تخلص منه قبل أن تهلك.
قال: نعم، إنه رفيق وصديق، أعتمد عليه وقت الضيق.
وضع زنقل الطبل حيثما كان في المخزان، وحرزه بالأقفال وأدوات الأمان، فلا تطاله الأيدي ولا تراه الأعيان.
فرعى رعاته الخيل والإبل والضان، وأضحى حامي حمى، فأشعل النار في ليال الشتاء، ونُصبت الخيام ورفعت الأعمدة والأعلام، وذُبحت الذبائح وقدح الطعام، فتوافد العوام وكثر الزحام.
ضيف آتٍ وضيف غادٍ وضيف على الزاد.
جنّ جنون شيخ العشيرة طهطل، كيف وصل زنقل إلى ما وصل؟
فأرسل يطلب حضوره.
ذهب زنقل مع مرزاب وصاحب الرباب، يصحبهم عُكابر وأخته جواهر.
دخلوا خيمته مستلبين، فاهتزت هيبته في الحين.
قال زنقل: أتيناك سامعين مطيعين يا شيخ طهطل، اسمعنا طلبك على عجل؟
رد: يا زنقل، أتيتنا بغرباء عن الديار، قد يكون وراءهم ثأر أو عار، فالشر يأتي مع الأشرار.
قال زنقل: بعضهم رفاقي والبعض رعاة إبلي وشاتي، ترتبط حياتهم بحياتي، فهم سند، وعليهم أعتمد إذ حمى الوطيس واشتد.
رد طهطل: سأعطيهم مهلة حتى يغادروا العشيرة.
قال زنقل: سنعود، وعليك إبلاغنا بالأجل الموعود.
أتت أم زنقل الأجل، فنُحر وأطعم وأجزل، ومدّ مائدة لا آخر لها ولا أول.
اشتاط صدر طهطل بالحسد والغيرة، فأبلغ بانقضاء المهلة.
قالت شذاب: أخي زنقل، إن طهطل شيخ مبتذل، داهم دارنا عدة ليالٍ، يريد الحرام قبل الحلال.
وقف مرزاب منتفخ النحر كفرس البحر، وانتاب صابر ارتعاش كالعصفور، بينما اجتزت جواهر إحدى الظفائر، وبقي صاحب الرباب يُمرغ العسل بالتراب.
قال زنقل: استباح في غيابي داري، سأريه هذا المساء كيف يكون الأخذ بثأري.
في غسق الظلام داهموهم وهم نيام، فصاحت النساء واستيقظ العوام، وبعد أن رفس الخيل وصهل، أضحى طهطل في قاع الخيمة مجندل.
اجتمعت العشيرة، وبعد المشورة، أجمعوا على أن يكون زنقل عقيدهم، وبقيت ضيوفه فرسانهم وحماتهم.
عمّ الخير الجميع وذهب الويل الفظيع.
فأسس زنقل مملكته، وبلغت الأخبار مسامع إخوته، فحضروا والتأم شمل عشيرته، فكان له جيش جرار، يحمي الديار ليل نهار.
صار مرزاب وزيره، وصابر قائد حرسه، وأما صاحب الرباب فوزير حربه.
انتشر الحب والوئام، وحلّ السلام.
انكسر المشط بيد زنقل، فتلبد وجهه وترجل.
امتطى الخيل وانطلق يشق الغبار، فلحقه الفرسان بنفس المسار.
أضحوا ثالث يوم على الأبواب، وجدوا جابر مصاب، تحاصرهم الغوغاء، يريدون الانتقام من ردهى.
صال زنقل وجال مع من معه من الرجال، وبلغ مسامع ردهى وصول زنقل، فاستبشر وجهها وتهلل، خرجت من المقام فلوّحت بالسلام.
قُرعت السيوف بالخطر، كشر النمر، وصهل الأسد، وزمجر.
انقشع الغبار فزال الخطر، ولم يعد هناك للغوغاء أثر.
اطمأن على جابر وتبادل الحديث مع ردهى، فأخبرته أن خطيبها قتل منهم الكثير، وبث فيهم الرعب طوال العام، وبعد أن تمكنوا من قتله أتوا للانتقام.
أقام مع الفرسان ثلاثة أيام، ثم طلب ردهى من أبيها، فبرزت من دون حجاب، وردّت بالإيجاب.
عاد زنقل إلى الديرة، وبعث مهر ردهى في أكبر مسيرة، وبعرسها اكتمل الفرح بعد أن زُفت بألف جمل، فكانت ملكة زمانها زُفت إلى سلطانها.
قُرع الطبل وارتعش، من مغرب إلى غبش، سمعه القاصي والداني، فتوافدوا لتقديم التهاني.
فعُقد قران جواهر بمرزاب، وتزوج عازف الرباب بشذاب، وزُفّت أرملة طهطل لصابر على خجل.
فحضر النمر والأسد، وصافحا زنقل يدًا بيد، فلاذ الحضور بالفرار، وعلى العرسان أُسدل الستار.

منصة تفتح بوابات التجربة... حيث تُهمس الأرواح للعقول، ويذوب العلم في طيف الإيمان، ويتوارى الظاهر خلف ستار الخفي. هنا، لا نكتفي بالرؤية بل نُبصر، ونغوص بلا خريطة في عوالم لا تُرى... نسترق السمع لأسرار لم تُكتب، ونلتمس أثر الجن، وشطحات الأحلام، ونبضات الطاقات، ولغة الرموز التي لا يفك شيفرتها إلا من دخل الكهف مختارًا

تعليق واحد

comments user
عبده علي الفهد

تحية من الأعماق ✋
للموقع وإدارة الموقع ذات الافكار النيرة والهمم الثيرة🌷🌷🌹🌷🌹✋

إرسال التعليق

You May Have Missed

error: