دمية لابوبو: بين الشهرة والجدل
دمية لابوبو: بين الشعبية العالمية ونظريات المؤامرة الشيطانية
في السنوات الأخيرة، برزت دمية لابوبو (Labubu) كظاهرة ثقافية عالمية، حيث جذبت انتباه ملايين الأشخاص حول العالم، من عشاق جمع الألعاب إلى المشاهير مثل ليسا من فرقة بلاكبينك وريانا. لكن هذه الدمية، التي بدت في البداية رمزًا للطفولة والإبداع، أثارت جدلاً واسعًا بسبب ارتباطها المزعوم بشخصية بازوزو، الشيطان الأسطوري من الميثولوجيا البابلية والآشورية. هذا المقال يستعرض قصة لابوبو، أصولها، أسباب شعبيتها، الجدل المرتبط بها، والحقائق وراء الشائعات، مع تحليل للأبعاد الثقافية والنفسية التي أسهمت في هذه الضجة.
أصل دمية لابوبو
دمية لابوبو هي جزء من سلسلة “الوحوش” (The Monsters) التي صممها الفنان كاسينغ لونغ من هونغ كونغ عام 2015. تُنتجها وتوزعها شركة بوب مارت الصينية، وهي شركة متخصصة في الألعاب المجمعة التي تُباع في “صناديق عمياء” (Blind Boxes)، حيث لا يعرف المشتري تصميم الدمية التي سيحصل عليها إلا بعد فتح الصندوق. تتميز لابوبو بمظهر فريد: عيون كبيرة، أذنان مدببتان، أسنان حادة بارزة، وفرو ناعم يعطيها طابعًا يجمع بين اللطافة والغرابة. وفقًا للفنان، استوحى التصميم من كائنات خيالية في الأساطير الإسكندنافية، لكن الدمية نفسها لا ترتبط بأي سياق ديني أو ميثولوجي محدد.
حققت لابوبو نجاحًا تجاريًا هائلاً. في عام 2024، سجلت سلسلة “الوحوش” إيرادات بلغت 3.04 مليار يوان صيني (حوالي 420 مليون دولار أمريكي)، ووصلت أسعار بعض النسخ النادرة إلى 170 ألف دولار في مزادات عالمية. جزء من هذا النجاح يعود إلى استراتيجية التسويق الذكية لشركة بوب مارت، التي استغلت عنصر المفاجأة في الصناديق العمياء، إلى جانب ظهور الدمية مع مشاهير عالميين، مما جعلها رمزًا للموضة والثقافة الشعبية.
الجدل: لابوبو وبازوزو
بدأ الجدل حول لابوبو عندما ربط مستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإكس، بين اسم الدمية وبازوزو، وهو شيطان أسطوري من حضارات ما بين النهرين (البابلية والآشورية). بازوزو كان يُصور في الأساطير القديمة ككائن مخيف بأجنحة نسر، وجه مرعب، وأسنان حادة، واشتهر في الثقافة الغربية من خلال ظهوره في فيلم الرعب الشهير The Exorcist (1973) كرمز للشر والتلبس الشيطاني. التشابه بين اسمي “لابوبو” و”بازوزو”، إلى جانب بعض الملامح مثل الأسنان الحادة والابتسامة العريضة، دفع البعض إلى افتراض وجود علاقة بينهما.
تضخمت الشائعات عبر مقاطع فيديو على تيك توك، حيث ادعى مستخدمون أن الدمية تسببت في ظواهر غريبة، مثل الكوابيس، سماع أصوات غامضة، ظهور خدوش على الجسم، أو شعور بالاختناق أثناء النوم. بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك، مدعين أن لابوبو هي “بوابة للشر” أو تحمل “تعويذة شيطانية”. صورة مسربة للدمية بدون غطائها الخارجي (فروها) كشفت عن رأس بلاستيكي أصلع بملامح مخيفة، مما زاد من الجدل ووصفها البعض بـ”كابوس الطفولة”. في السعودية، حذر البعض من الدمية، مشيرين إلى أنها قد تُستخدم لاستحضار الأرواح أو تحمل طاقة سلبية.
ردود الفعل الرسمية
ردت شركة بوب مارت على هذه الادعاءات بنفي قاطع، مؤكدة أن لابوبو هي مجرد تصميم فني خيالي مستوحى من الأساطير الإسكندنافية، وليس له أي ارتباط ببازوزو أو أي رموز شيطانية. الفنان كاسينغ لونغ أوضح أن الدمية تهدف إلى الجمع بين اللطافة والغرابة كجزء من جاذبيتها الفنية، وأن أي تشابه مع بازوزو هو مجرد مصادفة. كما أكدت الشركة أن الدمية خضعت لاختبارات أمان صارمة وتُصنع من مواد آمنة للأطفال والبالغين.
على الجانب الآخر، حذر بعض الاستشاريين النفسيين من تأثير الدمية على الأطفال بسبب مظهرها الغريب، مشيرين إلى أنها قد تسبب اضطرابات نفسية أو تشويشًا في إدراك الجمال لدى الأطفال الصغار. في بعض الدوائر الدينية، خصوصًا في المنطقة العربية، وُصفت الدمية بأنها تحمل دلالات سلبية، مما دفع إلى دعوات للتوعية ضد استخدامها.
تحليل الظاهرة
1. دور وسائل التواصل الاجتماعي
تُظهر ضجة لابوبو قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الشائعات وخلق نظريات المؤامرة. التشابه البسيط في الأسماء والمظهر بين لابوبو وبازوزو كان كافيًا لإثارة الجدل، خاصة في ظل انتشار مقاطع فيديو دراماتيكية على تيك توك. هذه المنصات تُعزز ما يُعرف بـ”البارانويا الرقمية”، حيث يتم تضخيم الأفكار غير المؤكدة بسرعة كبيرة، خاصة عندما تتعلق بمنتج شعبي.
2. تأثير المشاهير
لعب ظهور لابوبو مع مشاهير مثل ليسا وريانا دورًا كبيرًا في شعبيتها. هذا الظهور جعل الدمية رمزًا للموضة، لكنه أيضًا أثار فضول الناس حول خلفيتها، مما ساهم في انتشار الشائعات. يُظهر هذا كيف يمكن لتأثير المشاهير أن يحول منتجًا عاديًا إلى ظاهرة عالمية، سواء إيجابيًا أو سلبيًا.
3. الأبعاد الثقافية والنفسية
الأكاديمية الأمريكية غوزدي غونكو بيرك وصفت ظاهرة لابوبو بأنها تعكس “قلقًا ثقافيًا وتكنولوجيًا”. في عالم معقد ومليء بالتحديات، تمثل الدمية “وهم البساطة”، حيث تجذب البالغين كرمز للحنين إلى الطفولة. لكن مظهرها الغريب، الذي يجمع بين اللطافة والمخيف، يثير ردود فعل متباينة، مما يجعلها مادة خصبة لنظريات المؤامرة.
الحقائق
لا يوجد دليل مادي أو تاريخي يربط لابوبو ببازوزو أو أي طاقة شيطانية. التشابه في الأسماء والمظهر هو مجرد مصادفة، والجدل يعكس ميلًا بشريًا للبحث عن معانٍ خفية في الأشياء الغامضة. تصميم الدمية، رغم غرابته، هو جزء من استراتيجية تسويقية تهدف إلى جذب الانتباه وخلق تجربة فريدة للمشترين. الظواهر المزعومة مثل الكوابيس أو الأصوات الغريبة قد تكون نتيجة تأثيرات نفسية (مثل تأثير الإيحاء) أو محاولات لجذب الانتباه على وسائل التواصل.دمية لابوبو هي مثال حي على كيف يمكن لمنتج بسيط أن يتحول إلى ظاهرة ثقافية ويثير جدلاً واسعًا بسبب سوء الفهم وتضخيم وسائل التواصل الاجتماعي. بين شعبيتها الهائلة كرمز للموضة والشائعات التي تربطها بالشيطانية، تظل لابوبو مجرد دمية، لكنها تعكس تعقيدات العصر الرقمي والثقافة الشعبية. من المهم التحقق من المعلومات وعدم الانجراف وراء الشائعات، خاصة تلك التي تتغذى على الخوف والغموض. سواء كنت من عشاق جمع الألعاب أو مجرد متابع للظواهر الثقافية، فإن قصة لابوبو تُظهر كيف يمكن للإبداع أن يثير الإعجاب والجدل في آن واحد.
إرسال التعليق