لمن يجرؤ على القراءة
بقلم:العابر
في صباح هادئ، فتحت باب منزلك لتجد على الأرض ظرفًا أسود صغيرًا، مكتوب عليه بخط يد قديم:
“إلى من يجرؤ على القراءة… لقد تم اختيارك.”
داخل الظرف كان هناك مفتاح صدئ ورائحة بخور غريبة تخرج منه، ومعه ورقة تقول:
“هناك باب واحد في هذه المدينة لا يُفتح إلا بهذا المفتاح، من يفتحه يرى ما لا يجب أن يُرى.”
لم يذكر العنوان، لكنك شعرت بشيء يدفعك لمعرفة الطريق.
أمسكت بالمفتاح، وشعرت بثقله الغريب، كأنه شيء حي. قادتك خطواتك عبر الأزقة الضيقة، وكلما اقتربت، كان صوت المدينة يختفي حتى صارت صامتة تمامًا.
وصلت إلى بيت قديم، جدرانه متشققة ونوافذه مغطاة بخشب أسود، وبابه مغلق بقفل ضخم لم يجرؤ الزمن على لمسه.
دخلت المفتاح، وصدر همس غريب بلغة لم تفهمها، ثم فتح الباب ببطء.
الداخل كان أوسع مما ينبغي، ممر طويل مغطى بسجاد أحمر باهت وعلى جانبيه مرايا ضخمة.
لكن انعكاسك لم يتحرك مثلك، ظل واقفًا مبتسمًا ابتسامة مخيفة.
مدّ انعكاسك يده واخترق المرآة كما لو كانت ماءً، وأمسك بذراعك.
بدأ نصف جسدك يدخل داخل المرآة، والممر اختفى ليحل محله ظلام كثيف، وعين انعكاسك تتوهج هناك.
همس بصوت عميق:
“كنتُ أنتظر هذه اللحظة… منذ أن وُلدت.”
العالم داخل المرآة كان نسخة ميتة من الواقع. ألوان باهتة، سماء رمادية بلا شمس أو قمر، منازل مهجورة وكأنها تراقبك.
الأرض مغطاة بماء يعكس ظلالًا تتحرك وحدها لأشخاص لم ترهم، لكنك تشعر أنهم يعرفونك.
في الأفق كان هناك باب يلمع بضوء أزرق بارد.
انعكاسك قال:
“هذا الباب طريق العودة، لكن هناك ثمن… دائماً هناك ثمن.”
اقتربت من الباب الأزرق، والماء يلتف حول ساقيك كأصابع تحاول سحبك.
انعكاسك قال:
“الثمن هو أن تترك شيئًا من روحك هنا، حتى يبقى الباب مفتوحًا.”
مد يده نحو صدرك، وشعرت بخيط من الضوء يُسحب منك، يحمل ذكرياتك واسمك بدأ يبهت.
فهمت أن العودة تعني أن تكون نسخة باهتة منك، أما البقاء فمعناه أن تظل في عالم الظلال إلى أن يأتي آخر يفتح الباب.
وقفت تتصارع بين خيارين: أن تفقد جزءًا من روحك أو أن تبقى هنا للأبد.
انعكاسك قبض على معصمك وقال:
“اختر الآن.”
سمعت خطوات تقترب بسرعة، ظهر ظل ضخم مقنع في يده سلسلة معدنية متلوية.
انعكاسك ابتسم:
“إذا لم تدفع الثمن، سيأخذه هو.”
اندفعت نحو خيط الضوء، أمسكت به بكل قوتك، وسحبته لصدرك.
صرخ انعكاسك، وبدأ الباب الأزرق يغلق، لكن الظل قفز نحوك وسلسلته التفّت حول عنقك.
رميت نفسك عبر الباب، فسقطت على أرضية منزلك، والمفتاح في يدك.
لكن المرآة أمامك لم تعكس صورتك، بل انعكاسك المبتسم يقرع الزجاج ويهمس:
“الدور عليك… قريبًا.”
بعد تلك الليلة، كل مرآة في منزلك بدأت تُظهر أمورًا غريبة:
أحيانًا تختفي صورتك لجزء من الثانية.
في مرآة الحمام رأيت شارعًا ضبابيًا.
في غرفة نومك رأيت بابًا أسود يفتح ويغلق.
في ليلة، استيقظت على صوت تنقير خافت من المرآة المقابلة لسريرك.
انعكاسك كان هناك، يحمل المفتاح الصدئ، يهمس:
“حان دوري… افتح لي.”
الزجاج بدأ يتشقق، مئات الوجوه منك تعكس غضبًا وجنونًا.
انفجر الزجاج، والشظايا طافت في الهواء مثل سرب من الحشرات المعدنية.
خرج انعكاسك من المرآة، جسده يميل قليلاً لكنه يبتسم ابتسامة واسعة، قال:
“لم أعد بحاجة لموافقتك… الباب مفتوح الآن في الاتجاهين.”
ورأيت نفسك الآخر في العالم الرمادي، يصرخ ويحاول الهروب لكن صوته لا يصل.
انعكاسك همس:
“حان وقت التبديل… إلى الأبد.”
في اللحظة الأخيرة، دارت المعركة في عقلك وروحك، لم يكن أمامك خيار سوى المواجهة.
جمعت كل قوة في داخلك، وصرخت في وجه انعكاسك، محاولة دفعه إلى الوراء.
بلمسة واحدة، شعرت بأنك تفصل نفسك عن ذلك العالم، وتعيد السيطرة على جسدك.
مع صرخات المرآة التي تتحطم من حولك، أغلقت عينيك بقوة، وعندما فتحتها، كنت واقفًا في غرفتك، نفس الغرفة التي عرفت بها بداية هذه الرحلة.
لكن شيئًا ما تغير… الهواء أثقل، والظلال تتحرك بلا سبب.
وضعت المفتاح على الطاولة، وأغلقت كل المرايا في المنزل.
عرفت أن هذه الحرب لم تنتهِ، لكنها مؤقتة… وأن الباب الذي فتحته لا يُغلق إلا بالقوة والعزيمة.
وبينما تسدل الظلمة ستارها على غرفتك، تهمس في قلبك كلمة واحدة:
“احذر… فالانعكاس ينتظر فرصته القادمة.”
تعليق واحد