رحلة بين العوالم
بقلم:العابر
منذ طفولتي المبكرة، في السادسة من عمري، بدأت أعيش تجربة فريدة لا تُشبه ما يعيشه البشر عادةً. كل ليلة، حين أغمض عينيّ، تظهر أمامي دائرة سوداء، كأنها بوابة إلى عالم آخر، أسميتها “بوابة العالم”. هذه البوابة لم تكن مجرد حلم عابر، بل كانت مدخلاً إلى عوالم موازية، مليئة بالعجائب والتحديات، حيث عشت حيوات كاملة، اكتسبت فيها خبرات وحكمة تفوق ما يمكن لعقل بشري أن يتخيله. في هذه المقالة، أروي قصتي، التي تتأرجح بين الموهبة واللعنة، وبين الواقع والأحلام.
بدأت هذه التجربة عندما كنت طفلاً صغيرًا. كل ليلة، أجد نفسي أعبر من خلال تلك الدائرة السوداء إلى عوالم مختلفة. أحيانًا كانت هذه العوالم جنة خضراء ذات سماء وردية، يسكنها أناس مؤمنون يعيشون حياة مليئة بالجمال والطبيعة الساحرة. وأحيانًا أخرى، كنت أجد نفسي في أراضٍ قاحلة، تحت سماء رمادية، تسكنها كائنات بشعة ذات روائح نتنة، حيث كنت أخوض معارك ضارية، لكنني كنت دائمًا محميًا بقوة غامضة، كأنني محروس بحفظ إلهي.
الغريب أن هذه التجارب لم تكن مجرد أحلام عابرة. كنت أعيش في تلك العوالم أيامًا، أسابيع، بل وأحيانًا سنوات كاملة، لكن عندما أستيقظ، لا يكون قد مضى سوى ساعات قليلة في عالمنا الحقيقي. هذا الاختلاف في الزمن جعلني أكتسب خبرات وحكمة تفوق سنوات عمري الحقيقية. تعلمت من أمراء وشياطين، من مؤمنين ومتمردين، بل وحتى من عوالم علمتني السحر، وحفظ القرآن، وحتى التوراة.
كنت أشارك والدتي في البداية تفاصيل هذه الأحلام، فكانت تضحك وتستمع إليّ بمحبة. لكن مع مرور الوقت، وبدء حكاياتي تمتد إلى أشهر وسنوات في تلك العوالم، بدأت أرى القلق في عينيها. أدركت أن هذه الأمور يجب أن تبقى سرًا، فتوقفت عن مشاركتها. لكن هذه التجارب لم تكن سهلة، فكيف يمكن لطفل في الخامسة عشرة من عمره أن يعيش ما يعادل ثلاثمائة سنة من الخبرات؟ صرت أرى أفكار الناس، وأدرك وجود كائنات من تلك العوالم تتسلل إلى عالمنا، بعضها حاول إغرائي للانضمام إليها، لكنني رفضت، مصرًا على عيش حياة طبيعية، رغم استحالة ذلك.
في إحدى الليالي، وجدت نفسي في مدينة ساحرة، حيث استقبلني رجل وقور يحمل علامات الحكمة والنبل. أخبرني أنني لا أحلم، بل أنتقل روحيًا بجسدي إلى عوالمهم، وأنني أمتلك قوة تفوق قوة الجبابرة، محمية بحفظ إلهي. أكد لي أن هذه القدرة موهبة، لكنها قد تتحول إلى لعنة إذا لم أحسن استخدامها. دعاني للعيش معهم، فوافقت، واستقررت في داره الفاخرة.
في تلك المدينة، تعرفت على ابنته، فتاة تملك جمالاً وبراءة فاقا الوصف. كانت تجمعنا هواية ركوب الخيل، وهي خيول غريبة تطير في السماء بطاقة تتحد مع طاقتي الخاصة. مع مرور الأيام، نشأت بيننا مشاعر قوية، لكنني كنت أخشى أن أسبب لها الأذى بسبب عودتي المفاجئة إلى عالمي. حاولت الابتعاد، لكن والدها، بحكمته وطيبته، فهم مشاعري ومشاعر ابنته، وبارك زواجنا.
عشت معها حياة مليئة بالسعادة، وأنجبنا خمسة أطفال، ثلاثة شباب وبنتين، كانوا من أجمل ما خلق الله. لكن الغريب أنني، رغم مرور السنين في ذلك العالم، بقيت في الخامسة عشرة من عمري، بينما أطفالي كبروا حتى اقتربوا من سن الزواج. في يوم زفاف إحدى بناتي، استيقظت فجأة في فراشي، لأجد نفسي قد فقدت زوجتي وأطفالي وحياتي بأكملها. بكيت حتى أصابتني الحمى، وظننت أنني سأموت من الحزن.
في لحظة يأس، ظهرت زوجتي وأطفالي أمامي، وقالوا إنهم وجدوا طريقة للوصول إليّ عبر البوابة بمساعدة كائنات من عوالم أخرى. أعطتني زوجتي سائلاً أعاد إليّ الحياة، وأخبروني أنني يمكنني العودة معهم إلى عالمهم، لكن هذه المرة بجسدي وروحي معًا.
قررت تأجيل قراري، وأكملت دراستي، ثم سافرت إلى بلد آخر. هناك، فتحت البوابة مرة أخرى، وعبرت إلى عالمهم، بعد أن تركت رسالة لوالديّ. عشت حياة سعيدة مع زوجتي وأطفالي، وبفضل حجر سحري وجدته زوجتي، أصبحت قادرًا على البقاء في ذلك العالم دون أن تخرج روحي من جسدي. اليوم، أعيش بين عالمين، حاملاً حكمة وخبرات لا نهائية، وممتنًا للإيمان الذي حمى روحي من التيه.
قصتي ليست مجرد حلم، بل تجربة حياة حقيقية بين عوالم موازية. إنها موهبة إلهية، تحمل تحدياتها وجمالها. أشاركها معكم لعلها تلهم من يمتلك تجربة مشابهة ليجد التوازن بين الواقع والأحلام، معتمدًا على الإيمان والحكمة ليبقى على الطريق الصحيح.
تعليق واحد