جاري التحميل الآن

اللات والعزى التي عبدها العرب


الفصل الأول: عبادة الأصنام في الجاهلية – الجذور التاريخية

1. دخول الأصنام إلى الجزيرة

تشير المصادر إلى أن أول من أدخل عبادة الأصنام إلى مكة هو عمرو بن لُحَيّ الخزاعي، حين جلب صنم “هُبَل” من الشام ونصبه في الكعبة. ومع الزمن، تكاثرت الأصنام حتى بلغ عددها 360 صنمًا حول الكعبة وحدها.

2. تنوع المعتقدات

رغم أن بعض العرب ظلوا على بقايا من الحنيفية، واعتنق آخرون اليهودية أو النصرانية، إلا أن الوثنية كانت الأكثر حضورًا. وكان لكل قبيلة معبود خاص، حتى صارت الأصنام جزءًا من الهوية القبلية والسياسية، وليست مجرد طقوس دينية.


الفصل الثاني: اللات – صنم ثقيف

1. أصل التسمية

  • بعض العلماء يرون أن “اللات” مؤنث “الله”.
  • آخرون قالوا إن اسمها من “اللّتّ”، أي طحن السويق. ويُروى أن رجلاً كان يلت السويق للحجيج فلما مات عُبد قبره، ومن هنا جاء اسمها.

2. مكانها

  • كانت اللات في الطائف، عبارة عن صخرة بيضاء مربعة، داخل بناء يشبه الكعبة الصغيرة.
  • أحيطت بكسوة، وخُصّص لها سدنة يقومون بخدمتها.

3. مكانتها عند العرب

  • اتخذتها ثقيف معبودًا عظيمًا، وكانت تفتخر بها وتتعصب لها.
  • اعتقدوا أنها رمز للخصب والحياة، وأن زيارتها تحقق البركة.

4. طقوسها

  • الطواف حولها، وتقديم الطعام والشراب.
  • الذبح عندها والتقرب بالنذور.

5. هدمها

بعد فتح مكة، أرسل النبي ﷺ المغيرة بن شعبة ومعه أبو سفيان بن حرب لهدمها. وقد هُدمت بالصخور والمعاول، فانتهى شأنها.


الفصل الثالث: العُزّى – صنم قريش

1. معنى الاسم

“العُزّى” من العِزّة والقوة. وهي عند قريش أعظم أصنامهم، حتى قالوا: اللات للعرب، والعُزّى لقريش، ومناة للأوس والخزرج.”

2. مكانها

  • كانت العُزّى عبارة عن ثلاث شجرات سمر في وادي نخلة بين مكة والطائف.
  • نُصب لها بيت صغير يذبح الناس عنده القرابين.

3. طقوسها

  • كانت قريش تستغيث بها في الحروب وتطلب منها النصر.
  • ورد في السيرة أن المشركين في أحد نادوا: أعلُ هُبَل، أعلُ العُزّى!”

4. هدمها

بعد الفتح، بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد ليهدمها. فقطع الشجرات وهدم البيت، فخرجت له امرأة سوداء عارية ناشرة شعرها، فضربها حتى قتلها. فقال ﷺ: تلك العُزّى، ولن تُعبد بعد اليوم.”


الفصل الرابع: مناة – الثالثة الأخرى

1. أصل التسمية

اشتُق اسمها من “المَنِيّ”، أي النصيب والقدر. وكان العرب يرونها إلهة القضاء والمصير.

2. مكانها

  • نُصبت على ساحل البحر الأحمر بين مكة والمدينة، في منطقة “المُشلّل” قرب قديد.
  • كان الأوس والخزرج من أكثر القبائل تعظيمًا لها.

3. طقوسها

  • حلق الرؤوس عندها.
  • كانوا يرون الحج ناقصًا ما لم يزوروا مناة بعد الطواف بالكعبة.
  • تقديم النذور والذبائح.

4. هدمها

أرسل النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهدمها بعد الفتح، لتسقط آخر أعمدة الثالوث الوثني.


الفصل الخامس: حضور الأصنام في الشعر الجاهلي

الأصنام لم تكن غائبة عن الأدب الجاهلي، بل كانت جزءًا من لغة الشعر والقسم. ومن شواهد ذلك:

  • قول شاعر جاهلي:
    أقسمتُ باللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى، وبهِبَل، وبإساف ونائلة.”
  • وكانوا يتباهون بذكر أصنامهم كما يتباهى المؤمن بذكر ربه.
    هذا الحضور الشعري يدل على تجذر الأصنام في الوعي الجاهلي، ليس كطقس ديني فقط بل كلغة ثقافية واجتماعية.

الفصل السادس: موقف الإسلام – العقيدة ضد الوثنية

1. إنكار القرآن

جاء الإسلام ليهدم هذه المعتقدات:

  • قال تعالى: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.” (النجم: 23).
  • وقال: ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذًا قسمة ضيزى.” (النجم: 21-22).

2. توحيد العبادة

أكد الإسلام أن الله وحده هو الخالق والرازق والمعزّ والمذلّ، وأن نسب هذه الصفات للأصنام باطل. فجاء التوحيد تحريرًا للعقل والروح من وهم الحجارة والأشجار.


الفصل السابع: قراءة ثقافية – الرمزية العميقة

يمكن فهم الأصنام الثلاثة من زاوية رمزية:

  • اللات: تمثل الخصب والغذاء.
  • العُزّى: تمثل القوة والعزة.
  • مناة: تمثل القدر والمصير.

وهكذا، جسّدت هذه الأصنام محاور قلق الإنسان: الطعام، القوة، والمستقبل. فجاء الإسلام ليعيد توجيه هذا القلق إلى الله وحده، باعتباره الضامن للرزق والنصر والمصير.


وفي النهاية والمغزى

تمثل قصة اللات والعُزّى ومناة صفحة من تاريخ العرب قبل الإسلام، تكشف عن طبيعة التدين الوثني القائم على الرموز المادية. وقد أظهر الإسلام موقفًا حاسمًا تجاه هذه الممارسات، فأعاد الكعبة إلى نقائها، وجعلها بيتًا للتوحيد.

إن دراسة هذه الأصنام لا تقتصر على كونها جزءًا من التاريخ، بل تحمل دلالات أعمق: فهي تكشف عن حاجة الإنسان المستمرة إلى المقدّس، وعن خطورة أن يتحول هذا المقدس إلى أوهام من صنع البشر. والتوحيد الإسلامي جاء ليضع الإنسان أمام الحقيقة الكبرى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ.”


منصة تفتح بوابات التجربة... حيث تُهمس الأرواح للعقول، ويذوب العلم في طيف الإيمان، ويتوارى الظاهر خلف ستار الخفي. هنا، لا نكتفي بالرؤية بل نُبصر، ونغوص بلا خريطة في عوالم لا تُرى... نسترق السمع لأسرار لم تُكتب، ونلتمس أثر الجن، وشطحات الأحلام، ونبضات الطاقات، ولغة الرموز التي لا يفك شيفرتها إلا من دخل الكهف مختارًا

إرسال التعليق

You May Have Missed

error: