بقلم:سميح ناصر
في عام 1998، في كتاب بعنوان “السر الأعظم” للكاتب والرياضي السابق ديفيد آيك، أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة عند صدوره حتى وصلت الحكومة البريطانية إلى حد اتخاذ إجراءات ضده. لقد قامت الحكومة البريطانية بمصادرة جميع النسخ الموجودة من الكتاب بعد شهر من إصداره ومنعت تداوله. وكانت ردة الفعل هذه عجيبة خاصة أننا في عصر الديمقراطيات. إذًا، هل هم حقًا السبب وراء الأحداث الكبرى التي شهدناها؟ هل هم حقًا السحالي البشرية؟ وما الذي يمكن أن يكون الدافع وراء هذا القمع الغريب للكتاب؟ لفهم الجواب يجب أن نلقي نظرة أعمق على حياة مؤلف الكتاب ديفيد آيك، الذي كان يومًا لاعبًا محترفًا في كرة القدم، لكن بعد إصابته الخطيرة في ركبته قرر التخلي عن الرياضة وتوجيه خطواته نحو عالم التقديم التلفزيوني. هنا بدأت قصته حول الزواحف التي يزعم أنها تسيطر على العالم. لقد ادعى آيك أن أفراد العائلة المالكة وشخصيات بارزة مثل جورج بوش وهيلاري كلينتون ليسوا سوى سحالي، وهو يرى فيهم المسؤولين عن إنشاء جميع الأديان بهدف السيطرة على البشر ومنعهم من الوصول إلى المعرفة الروحية والباطنية. في إحدى مقابلاته، ادعى ديفيد أنه ابن الرب. وعلى الرغم من أن اسمه تم تداوله بشكل واسع في وسائل الإعلام وتمت السخرية من أقواله وتصريحاته، إلا أنه نجح في إلقاء محاضرات ونشر أفكار نالت إعجاب الجماهير. لقد أصدر العديد من الكتب التي كشفت عن المؤامرة بحسب مزاعمه، ومنها كتابه “دليل ديفيد آيك”.يعد أمرًا غريبًا أن يمتلك المشاهير والسياسيون صفات ومواهب فريدة تجعلهم يبرزون عن باقي الناس، ولكن من الصعب تصديق أن هذه الصفات لا تمت إلى الإنسانية بالصلة على الإطلاق. تقترح فكرة ديفيد وأتباعه أن هؤلاء الأشخاص في الواقع هم مخلوقات تشبه الزواحف، حيث يزعم أن طولهم يصل إلى 15 قدمًا، وأنهم استوطنوا كوكبنا بأكمله وسيطروا على حكوماتنا ووسائل إعلامنا وصناعة الترفيه لدينا بهدف واحد وهو استعباد البشر. في رأي ديفيد، فإن الحروب والأحداث الدولية والترندات السخيفة ليست إلا أدوات تستخدم لتشتيت الناس وإبقائهم مشغولين. وقد دلل ديفيد بالاسم على بعض الأسماء العالمية التي قال إنها عبارة عن زواحف وليست من البشر، وذكر من بينهم الملكة إليزابيث الثانية، عائلة بوش، أصحاب البنوك الدولية، فضلاً عن المشاهير مثل كاتي بيري وجاستين بيبر، والجماعات السرية كالماسونية والمتنورين. يشرح ديفيد في كتابه أن هذه الزواحف البشرية قادرة على التنكر تحت هيئة إنسان باستخدام تقنيات متقدمة يعرفها بالاهتزازات التي تجعلنا نظن أنهم بشر. ذلك تظهر الكاميرات تصرفات غريبة تكشف هويتهم الحقيقية. لقد رصدت مقاطع فيديو عديدة على يوتيوب تظهر هذه الزواحف، وأحدثها تسجيل للمغني جاستن بيبر حيث ظهرت عيناه كعيون الزواحف لجزء صغير من الثانية. وتشمل هذه الظاهرة المشاهير الآخرين مثل مايلي سايرس وإمينيم. وبالرغم من ذلك، يعتبر المشككون في هذه النظرية أن مثل هذه المقاطع هي مجرد خلل في الكاميرات أو تركيبات مزيفة. في كتاب “السر الأعظم”، أشار ديفيد إلى أن الكون يتكون من طاقة هائلة أدت إلى نشوء أبعاد كونية داخل العالم الذي نعيش فيه. ومن بين هذه الأبعاد يأتي بعد مرتبط بالزواحف التي يعتقد أنها قدمت من نظام نجمي يعرف باسم “ألفا التنين”. تمكنت هذه الزواحف المتقدمة في العصور القديمة من اختراق عالمنا وتكوين سلالات مختلطة مع البشر. وبفضل حمضها النووي الفريد يمكن لهؤلاء الهجين السيطرة على عقول البشر ضمن أنظمتنا.ويقوم ديفيد بإثبات كلامه هذا بوجود تشابه بين الأجنة البشرية في مراحلها المبكرة وشكل الزواحف. ويشير إلى أن أقدم أجزاء الدماغ لدينا المسؤولة عن الغرائز البدائية تعرف بدماغ الزواحف نظرًا لتشابهها مع أدمغة الزواحف، حيث تتألف من جذع الدماغ والمخيخ. وهو يرى أن هذا التشابه يمثل دليلًا على أننا تطورنا أصلًا من الزواحف التي تعد أوائل سكان كوكبنا، مما يفسر وجود أجزاء متشابهة في هياكلنا. وبرأيه، هناك دليل آخر على هذه النظرية أشارت إليه الحضارات القديمة وبعض الأديان، تلك التي رسمت آلهة على شكل زواحف كما هو واضح في الرسومات الموجودة في حضارة الفراعنة. على الرغم من أن هذا يبدو منطقيًا، إلا أن هذا الدليل قد يعتبر غير كافٍ، حيث كانت الحضارات القديمة تتخيل آلهة على شكل حيوانات كثيرة أخرى.أخيرًا، تعالوا لنكتشف ماذا يقول الطب النفسي عن نظرية الزواحف البشرية. يعد إيمان نحو 12 مليون أمريكي بهذه النظرية، نظرية الزواحف البشرية، أمرًا لا يستهان به. هذا الرقم المذهل يطرح تحديًا أمام علماء النفس الذين يحاولون فهم أسباب اعتقاد هؤلاء الأشخاص بهذه النظرية غير المنطقية.يشير فان بروجن، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة أمستردام، إلى أن معتنقي هذه النظريات يشملون أفرادًا من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات المختلفة، بما في ذلك الفقراء والأغنياء والمتعلمين والأميين والليبراليين والمحافظين. ويعزى هذا الإيمان إلى أن العقول البشرية تميل نحو الراحة من خلال التبسيط المفرط والتفسيرات الخاطئة للأحداث. يضيف بروجين أن الناس عادة ما يقبلون التفسيرات التي تتناسب مع معتقداتهم الشخصية والتي تمنحهم الشعور بالتميز والانفراد بحيازة معرفة سرية. ورغم أن هذه النظريات قد تبدو غريبة، يمكن أن تكون لها جذور تاريخية في تطور الإنسان البدائي الذي كان يشعر بالشك تجاه الغرباء وكان يثق فقط بأفراد قبيلته.يشير العالم روب براذر تون، الذي يعمل في مجال علم النفس الأكاديمي وهو مؤلف كتاب “العقول المشبوهة: لماذا نصدق نظريات المؤامرة”، إلى أن بعض الأشخاص يميلون إلى الاعتقاد بنظريات المؤامرة أكثر من غيرهم. وهو يربط هذا الاعتقاد بالبيئة والعوامل النفسية والاجتماعية والقدرة على التحليل النقدي وغيرها من العوامل الشخصية. من جهة أخرى، يقول الأستاذ جوزيف إي. أوسنسكي، الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة ميامي، إن أكثر نظريات المؤامرة جاذبية هي تلك التي تكون غامضة وغير محددة، حيث تسمح للأفراد باختيار العدو الذي يرغبون في توجيه الاتهام إليه. على سبيل المثال، تحظى نظريات المؤامرة حول اغتيال الرئيس جون كينيدي بشعبية كبيرة، حيث تسمح للمؤمنين بها بتوجيه الاتهام لأي جهة يرونها مناسبة مثل المخابرات الأمريكية أو الاتحاد السوفيتي أو حتى كوبا. ومع ذلك، يشير إلى أنه هناك حدًا لقدرة الأفراد على تقبل أي نظرية مؤامرة، حيث يكون من الصعب إقناع أكثر من 25% من السكان بنظرية واحدة معينة. من وجهة نظر أخرى، يشير بعض الباحثين إلى أن انجذاب المجموعات الكبيرة لهذه الأفكار يمكن تفسيره بوجود مساهمات إدراكية مثل التنافر المعرفي أو التحيز التأكيدي. يعني هذا أن الأشخاص يرغبون في الاعتقاد بأن البشر هم أصلح الكائنات، ولكن وجود الحروب والنزاعات يثير لديهم حالة من التناقض الإدراكي، فتظهر حقيقة الجانب المظلم للإنسان. بدلاً من قبول هذه الحقيقة، يقوم هؤلاء بإلقاء اللوم على عوامل خارجية مثل وجود سحالي أو كائنات فضائية. وعندما يقتنع الناس بإحدى نظريات المؤامرة، يصبح من السهل عليهم تصديق نظريات أخرى غريبة، ويسهم انتشار هذه الأفكار في تفشي الروايات من خلال البرامج المتلفزة والأفلام.قد تعتبر هذه النظرية واحدة من أغرب نظريات المؤامرة وأكثرها تطرفًا. ورغم عدم وجود أي أدلة علمية قائمة أو أي دعم منطقي لهذه النظرية، إلا أن وجود عدد هائل من المؤمنين بها في الولايات المتحدة وحدها يثير تساؤلات حول السبب الحقيقي وراء تبني هذه الأفكار المجنونة. وبما أن الكثير من هؤلاء الأشخاص يحملون اعتقادات أخرى ويؤمنون بعدة نظريات مؤامرة، فإنه من الممكن أن يكون لديهم شعور قوي بجنون العظمة أو البارانويا تجاه العالم والحكومة.