بقلم:سامي نادر
في حي شعبي بالقاهرة، عشت طوال حياتي كشاب يدعى عمر، مهووس بالغموض والأسرار. كانت تلك السنوات التي قضيتها بجانب أصدقائي في الحي مليئة بالأحداث المثيرة والقصص الغريبة، ولكن لم أكن أتوقع يوماً أنني سأخوض في مثل هذه التجارب. كان صديقي القديم حسين دائماً يعود من رحلاته بقصص مثيرة. يحكي لي عن أشياء غريبة شاهدها في بلاد بعيدة. في أحد الأيام، عندما عاد حسين من رحلته الأخيرة، جاء إليّ وقال: “يا عمر، لقد وجدت كتاباً قديماً جداً في السوق. يقال إنه يمكن أن يمنح أي شخص القدرة على السيطرة على قرينه.”لم يكن لديّ خيار سوى الاستماع باندهاش وأنا أتلمس تفاصيل الكتاب القديم الذي كانت صفحاته مبعثرة ومليئة بالرموز الغامضة. بدأت بشغف في فك تلك الرموز؛ فقد كانت كلماته تحمل طقوساً قديمة لا يعرفها عقل بشري عادي. تحدث الكتاب عن طقوس تنبعث منها سحر الغموض، والتي يجب أن تُنفذ في ليلة معينة من السنة وحينما يكون القمر في أوجه. لم أستطع أن أقاوم التجربة، لذا قررت أن أتبع الخطوات بدقة تامة. جمعت كل الأدوات المطلوبة: الشموع المعطرة، والبخور النادر، والأعشاب القديمة التي جمعتها من أسواق البلدة القديمة. في ليلة، تجمع وحيداً في غرفتي المظلمة حيث بدأت التعاويذ كما هو مكتوب في الكتاب. لم أكن أدري ما الذي ينتظرني، لكن شعرت بنبض قلبي يتسارع بشدة مع كل كلمة أنطقها.لكن حتى قبل أن أكمل، سمعت صوتاً غريباً يهمس من داخل الغرفة، صوتاً لا يمكنني فهمه بلغتي العادية، كأنه دعوة من عالم آخر. أصبح الهمس يتكرر ويزداد وضوحاً مع كل لفظة أنطقها، وكأنه يحاول التواصل معي بشكل مشؤوم. حينها شعرت بلمسة باردة على كتفي، فالتفت خلفي ووجدت ظلاً غامضاً يتلاشى، وكانت عيناه مضيئتين باللون الأحمر تراقبانني بترقب شديد. نطق الظل بصوت مرتفع ومخيف: “أنت دعوتني وها أنا هنا. تعلم ماذا فعلت يا عمر؟” فزعت وقلت: “كنت أجرب فقط، لم أكن أقصد شيئاً سيئاً.” ضحك الظل بصوت مرعب وقال: “أنت لست مجرد إنسان، أنت زوهري وقرينك قوي جداً. إذا لم تتعلم كيف تسيطر عليه، فإن مصيرك سيكون مأساوي.”في لحظة من الفزع حاولت الهروب من الغرفة، لكن كل الأبواب والنوافذ كانت مغلقة بإحكام كما لو أنها تحت طوق النار. اقترب الظل مني أكثر وقال بصوت منخفض ومرعب: “يجب أن نكمل الطقوس، وإلا فسأطاردك طوال حياتك.” علمت حينها أنني مضطر للموافقة، وبدأت في إكمال الطقوس وأنا أشعر بالخوف يملأ قلبي. كلما تقدمت في الطقوس، كان الظل يتحكم بي أكثر، ويقترب من جسمي ببطء. في النهاية، اندمج الظل في داخلي وشعرت بتيار كهربائي يمر في جسدي كله، كأنه يجري دماً جديداً ينبض في عروقي. فقدت وعيي للحظات، وعندما استعدت وعيي، وجدت نفسي محاطاً بالظلام في نفس الغرفة، لكن كل شيء كان غامضاً وكأنه حلم.حاولت الحركة، لكن شعرت بأن جسدي يتحكم به شيء خارج عن إرادتي. سمعت صوت الظل داخلي يقول: “الآن نحن واحد، وإذا حاولت أن تخرجني ستدفع الثمن غالياً.” علمت عندها أنني أصبحت جزءاً من لعبة خطيرة، حيث يتعين علي الآن أن أعيش مع قريني للأبد، وأن أتعلم كيف أسيطر عليه دون أن أفقد نفسي. كلما مضى الوقت، اكتشفت المزيد عن قوة القرين وعن التحديات الخطيرة التي ستواجهني في عالم مظلم مليء بالغموض والخطر.بعد أن دمج الظل الغامض في جسدي، شعرت بتحول كبير في حياتي. أصبحت أشعر بوجود كيان آخر داخلي، يتربص وينبض بقوة في أعماقي، كأنه يتغذى على كل خطوة أخطوها وكل فكرة تخطر في ذهني. كانت تلك الأيام بداية لرحلة طويلة من التحديات والاختبارات التي لم أكن أتوقعها يوماً. في الأيام الأولى بعد الطقوس، كانت التأثيرات ضئيلة، لكنها تدريجياً بدأت تتزايد. شعرت بقوة خارقة في بعض الأحيان، ورؤى غريبة تأتيني في أحلامي، تنبئني بأحداث قادمة أو تحذرني من المخاطر. كانت تلك التجارب تجعلني أشعر بالضعف والخوف في بعض الأوقات، لكنني كنت مضطراً للتكيف والتعلم.بدأت أتقن تدريجياً كيفية التحكم في القوى الجديدة التي أصبحت جزءاً من حياتي. كان ذلك يتطلب التركيز والتأمل، وأحياناً استخدام الطقوس القديمة التي وجدتها في الكتاب للتواصل مع الظل وتوجيهه. لقد كانت تلك الفترة من التعلم المستمر والاكتشاف، حيث كنت أبحث عن طرق لاستخدام قوتي بشكل إيجابي ومفيد. ومع مرور الوقت، أصبحت علاقتي بالقرين أكثر تعقيداً وعمقاً. بالرغم من كونه كياناً غريباً ومخيفاً في بعض الأحيان، إلا أنني بدأت أدرك أنه يمكن أن يكون شريكاً قوياً إذا استخدم بحكمة. كنت أتعلم منه، وفي المقابل كنت أعلمه كيفية التكيف مع عالمي والتفاعل مع البشر.مع كل يوم كنت أتغلب على تحديات جديدة، وأكتشف مزيداً من قدراتي وقوتي. لم يكن الطريق سهلاً، فقد كان مليئاً بالمخاطر والمواجهات، ولكنني بدأت أقبل ما جرى، وأقفز فوق كل عقبة بإصرار. في النهاية، وجدت نفسي أقوى وأكثر حكمة. كنت قادراً على استخدام قوتي بشكل إيجابي لمساعدة الآخرين وحماية أولئك الذين أحبهم. كانت رحلتي مع الظل الغامض درساً لي بأن القوة ليست فقط في القدرة على السيطرة، بل في القدرة على استخدامها بحكمة وتوجيهها نحو الخير.وهكذا عشت في عالم مليء بالغموض والخطر، لكنني استطعت أن أجد توازناً بين قوتي الجديدة وبين إنسانيتي، وأصبحت أعيش حياة مليئة بالتحديات والتجارب التي جعلتني أنمو وأتطور بشكل لم أكن أتخيله يوماً.